عندما أسمعت الصين من به صممُ

158

رئيس التحرير سرمد عباس الحسيني /

في وقت مازالت فيه الحرب الروسية – الأوكرانية مستعرة، وانغماس أوروبا والولايات المتحدة في مستنقع نتائجها البعيدة عن آمال وطموحات أوكرانيا، التي لم يسعفها (الشيك) المفتوح لها على بياض، وبدعم مالي وعسكري غير مسبوق عالمياً، كانت الأيام القليلة الماضية مسرحاً لأحداث سياسية وعسكرية، أقل ما توصف بأنها (ضربة) أوجعت رأس من لم يتوقعها، تمثلت أولاها بإهداء روسيا ما تغنمه من أسلحة أمريكية وأوروبية إلى إيران، التي كانت آخرها قاذفتي (ستينغر) المضادة للطائرات، و(جيفلن) المضادة للدروع، لتقوم إيران بعد ذلك بإجراء (هندسة عسكرية) عليها، وهو أمرٌ طالما نجحت فيه إيران، ما يفتح الباب أمام تكهنات في: هل أن هذين السلاحين هما فقط ما أهدته روسيا لها، أم أن الأمر يذهب أبعد من ذلك؟!
أما الخبر الثاني، الأهم، الذي حدث قبل أيام، مزلزلاً الواقع الجيوسياسي في المنطقة، فقد تمثل بمنافس القطبية الثاني.. الصين.. التي نجحت في جمع أكبر قطبين إسلاميين شرق أوسطيين، الذي اعتبرت (الصين) فيه أن رعايتها عودة العلاقات بين السعودية وإيران تعد إنجازاً سياسياً كبيراً لها في الشرق الأوسط، هدفها الأساسي تخفيف التوترات في المنطقة، وأن تأخذ دولها مكانتها، كسادة في منطقتهم، فالصين لا تسعى إلى تحقيق مكاسب أنانية، أو تهدف إلى سياسة ملء الفراغ السياسي أو العسكري لأية دولة -حسب متحدث باسم الخارجية الصينية رفض ذكر اسمه-.
هذا التصريح لم يكن بعيداً عن تصريح (وانغ يي) وزير الخارجية الصيني الأسبق الذي دعم ذات الفكرة، بضرورة أن “يكون الشرق الأوسط ومستقبله بيد أبنائه، وأن هذه الاتفاقية ستعزز روح الوحدة والتعاون بين أبناء المنطقة لبناء شرق أوسط أكثر سلاماً واستقراراً.”
الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عن الحدثين المنافسين لقطبيتها الوحيدة ، إذ ردت على الحدث الثاني باعتباره الأحدث والأهم المهدد لأساس وجودها في الخليج العربي، أو في الشرق الأوسط عموماً، فقد قللت من أهمية هذه الاتفاقية بنجاح مفاوضاتها التي استمرت لثلاثة أشهر تقريباً برعاية صينية، إذ أشار مساعدون لبايدن إلى عدم وجود مؤشر على حدوث اختراق كبير في الواقع الجيوسياسي للمنطقة نتيجة الاتفاقية، ومستهزئين في ذات الوقت بتكهنات تآكل النفوذ الأمريكي بفعل تلك الاتفاقية، وإلى أي مدى سيذهب هذا التقارب بالفعل؟! وهو تعويل يأمل منه الرئيس الأمريكي (جو بايدن) أن يكون التقارب السعودي – الإسرائيلي أفضل للمنطقة من التقارب السعودي – الإيراني، -حسب رأيه-.
إسرائيل، التي دخلت إنذار (ج) سياسياً من جراء الإعلان عن هذه الاتفاقية، إذ كانت تأمل، قبل ذلك، في تأسيس ناتو عربي- إسرائيلي ضد إيران، ليتبخر هذا الأمل بفعل هذه الاتفاقية، وسط تسريبات بحذو إيران نحو اتفاقيات مشابهة مع بعض دول الخليج لا تقل أهمية عن اتفاقها مع السعودية، وهو الأمر الذي أقلق ساسة (إسرائيل) من خلال تصريحات عبّرت عن قلقهم الواضح حيال ما يحدث، إذ عبّر رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكينست الإسرائيلي، القيادي في الليكود (يولي ادلشطاين)، “أن عودة العلاقات السعودية – الإيرانية خبر سيئ جداً لإسرائيل.” وهو الأمر الذي دعمه زعيم المعارضة الإسرائيلية (يائير لابيد) بأن “اتفاق السعودية وإيران فشل خطير للحكومة الإسرائيلية، وانهيار لجدار الدفاع الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران.” وتاتي هذه التصريحات في وقت حساس ومهم تمر به (إسرائيل) الآن، تمثل بمظاهرات صاخبة ضد أكبر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل، وصلت الى حد المصادمات مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع تجاه المتظاهرين الذين وصفوا بالفوضويين من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي (بن غفير)، وثم لينضم الرئيس السابق للشاباك (يوفال ديسكين) إلى المتظاهرين، الذي حذر من وسطهم “بأننا على بعد أسابيع من حرب أهلية.” ليدعم تصريحه الرئيس الإسرائيلي (إسحاق هيرتسوغ) من أن “إسرائيل تتجه نحو نقطة اللاعودة.. وقد تصل الى الهاوية.” معرباً في الوقت ذاته عن خشيته من انهيار الدولة قبل أن تبلغ الثمانين عاماً من عمرها، كما حدث لمملكة داوود ومملكة الحشمونيين (حسب السرديات اليهودية).
فهل دقت الاتفاقية السعودية – الإيرانية، برعاية صينية – روسية، ناقوس التغيير في المنطقة ؟!! ……. الـله أعلم.