عندما يكون الاعتذار.. ذنباً!

810

عامر بدر حسون /

بعد دخول داعش الى الموصل كان عليّ أن أسرع بالعودة من بغداد الى أربيل لأكون مع زوجتي.

لم تكن هناك بطاقات في الطائرة وقد وصل سعرها في السوق السوداء الى أكثر من 300 دولار.. وتدخّل صديق فحجز لي من خلال صديقته التي تعمل في المطار، وقد جاءتني بالبطاقة عند نهاية الدوام تقديراً لذلك الصديق.

تسلمت البطاقة وأخبرتني أن عليّ أن استيقظ مبكراً لألحق بموعد الطائرة.

شكرتها واتصلت بزوجتي وأخبرتها، زيادة في الاطمئنان، أن توقظني قبل الثامنة صباحاً بالتلفون.

***

في الصباح استيقظت على رنين التلفون، وعندما سمعت كلمة “صباح الخير” انهالت رحمة الله!

– صباح النور.. صباح الفل والياسمين حبيبتي!

وقد أنعشتني ضحكاتها عبر الهاتف فواصلت هجمة الغزل الصباحي لكنها قطعت ضحكتها فجاة وسألت:

– هل بطاقتك قريبة منك؟

– نعم حبيبتي..

– أريدك أن تتاكد من الموعد المكتوب فيها..

– حبيبتي تأكدت أمس فلماذا الإلحاح؟

– رجاء أستاذ راجع البطاقة!

***

أستاذ؟!

لابد من وجود خطأ شنيع!

كانت المتحدثة السيدة الجميلة التي سلمتني البطاقة أمس وليست زوجتي!

وبين الاعتذار والضحك والتفتيش في البطاقة وجدت أن السيدة الحسناء لا تصدق أن زوجاً عراقياً بعمري يخاطب زوجته بلغة الأفلام والأغاني القديمة..

ولعلها في النهاية حسبتني على المتحرشين الظرفاء واعتبرتها فأل خير في صباحها الباكر!
قالت لي:

– سانتظرك في المطار لتصحيح البطاقة!

***

كان الموقف محرجاً جداً.. فاتصلت بكل من يعنيه الأمر: زوجتي والصديق الذي دبّر لي البطاقة!

وكان الصديق بحاجة لثقة كبيرة بي كي يصدق أن زوجاً عراقياً في الرابعة والستين من العمر يقول كل ذلك الغزل صباحاً لزوجته! أما زوجتي فقد صدقتني على طول الخط وضحكت وهي تسألني:

– هل هي جميلة؟

– جداً جداً! فقالت لي:

– هي تستاهل إذن! ولا جدوى من الإيغال في إصلاح الموقف الذي لا يحتاج الى إصلاح!

***

في المطار كانت السيدة في انتظاري وقد أخذت بطاقتي وصححتها وأكملت الإجراءات بأريحية وكرم وأنا أتحين الفرصة كي أكرر اعتذاري وإيضاحي دون أن يبدو عليها الإصغاء لانشغالها!

هنا خطرت ببالي فكرة فاتصلت بزوجتي وطلبت منها أن تتحدث للسيدة وتشكرها على جهودها وتوضح الموقف، ثم أخذت هاتفي وأعطيته للسيدة:

– من؟

– زوجتي تريد أن تشكرك!

تسلمت الهاتف وسط الضجيج وأعادته لي قائلة:

– الصوت غير واضح!

في النهاية وقفت أمامها وأخبرتها قبل الوداع أنها جميلة وتستحق أفضل الكلمات ولكن من شخص آخر غيري!
كان الموقف وكأنني أنهي علاقة لا تنفع كل الكلمات في تخفيف آثارها!

وانصرفت ملوحاً بيدي دون أن ألتفت!

***

لا أعرف ما هي الظنون التي دارت في ذهنها عني؟

ولم أجد فرصة لأوفيها حقها من الكلمات التي تستحقها بفعلها اللطيف وبطلعتها البهية وضحكتها التي تشبه الموسيقى.

أنا قلت كلمات ليست لها..

وهي ضحكت لشخص ليس أنا!

لكن كلماتي ذهبت اليها في ذلك الصباح الجميل.. وعادت لي على شكل ضحكات صافية وساحرة.

هل كان علي الصمت؟ لا أدري..

لكن العبرة الواضحة:

لا تعتذر عن كلمات جميلة قلتها لسيدة غريبة وجميلة!

و.. ضع السكّر في فمك لتكون كلماتك حلوة.. فمن يدري كيف ومتى تصل لمن يستحقها ويحتاجها؟.. والدنيا أرزاق!