“غمزة” سياسية

571

حسن العاني /

مدير إعلام وزارة الكهرباء – وأنا اتحدث عن عام يعود إلى تسعينيات القرن الماضي – واحد من أنبل أصدقائي، طلب مني الحضور إلى مبنى الوزارة، فهناك مؤتمر صحفي يتناول مشكلات الكهرباء، ولأنه يعرف خصومتي مع الكهرباء، فقد حاول إغرائي بأن المؤتمر سيكون أقرب إلى جلسة سمر بعد الإفطار بساعتين – كنا في الشهر الكريم – وأنه مشتاق لرؤيتي و .. وأهم شيء، [هناك تكريمات مالية تسوه، وأنت بالذات محتاجها]، على حد تعبيره..
مهما كان موقفي متشدداً من المؤتمرات، وإرادتي صلبة في عدم حضورها، وجدت نفسي أضعف حين سمعت خبر التكريم الدسم، ولهذا قلت له عبارة تفوح منها رائحة النفاق: [ تعرف حبيبي.. آني راح أحضر إكراماً لك.. ولأنني مشتاق أشوفك!!] وأشهد أن المؤتمر كان ممتعاً وبعيداً عن الرسميات المزعجة، تناول فيه الحضور أرقى أنواع الحلويات التي لم أقترب منها، فأنا لست من عشاقها، ولا يغريني في المساءات الرمضانية غير الشاي، لكن المشرفين أغفلوا ذلك تماماً، ولو قدموا لي قدح شاي واحداً لكتبت بحقهم وحق الكهرباء أفضل تقرير!!
وفيما كان السادة (مدراء الكهرباء) يتحدثون عن الطاقة والميكاواط وجهودهم الممتازة .. وعن الحصار الغاشم وعدم تحلي المواطنين بالمسؤولية لأنهم لا يلتزمون بالترشيد.. كنت أفكر بحب جديد تفتح القلب له، وقد جعلني ذلك الهوس العاطفي أشرع بكتابة قصيدة نثر، ومع أول سطرين أنجزتهما على وجه السرعة، باغتني الرجل الذي يدير الجلسة بعبارة رائعة فوق استحقاقي: [لم يكرمنا الأستاذ الكبير حسن العاني بسؤال أو رأي ]… الملعون أنساني هوسي العاطفي وقصيدة النثر، وعرّضني إلى مصاب جلل، لكوني أنزعج جداً من مفردة (أستاذ)، ولأنني لم أتابع مجريات المؤتمر ووقائعه.. وما زلت أجهل، حتى هذه اللحظة، كيف تبادر إلى ذهني سؤال يستحق نوط شجاعة، مع أن تاريخي الشخصي خالٍ من الشجاعة والأنواط.. و.. وبدوري فاجأته متسائلاً عن الكيفية التي تتعافى فيها الكهرباء الوطنية، فلا تنطفئ أبداً على مدى ثلاثة أيام بلياليها كلما حل عيد (ميلاد الرئيس)، حتى أن الناس التي لا تطيق سماع اسمه، باتت تتمنى لو أصبحت أيام السنة كلها أعياداً لميلاد الرئيس.. وقد أفضتُ في شرح السؤال، مع أن أحد الزملاء ضايقني، وهو يغمز لي بعينه، ويقوم بحركات غريبة أقرب ما تكون إلى المعاكسة اللا أخلاقية!!
حين انتهيت، وقد تملكني شعور بأنني من أحفاد عنترة بن شداد، كانت أجواء المؤتمر قد أصابتها صعقة كهربائية، بحيث اختلطتِ اللعثمة باصفرار الوجوه، ومما زاد الطين بلّة، أنني نشرت مقالة عن المؤتمر، قلت فيها إن المنطقة التي تقع فيها وزارة الكهرباء كانت غارقة في ظلام دامس ليلة انعقاد المؤتمر، وإن المكان الوحيد الذي يعجّ بالأضواء هو مبنى وزارة الكهرباء.. هنا أود التنويه إلى ثلاث ملاحظات، أولها: أن المؤتمرات بعد (2003) تحلت بأعلى مواصفات الديمقراطية، بحيث بات المسؤول قادراً على الإدلاء بأي تصريح، ليلاً، والتنكر له نهاراً.. وثانيهما أن الوزارة في ذلك المؤتمر التسعيني لم تكرم الصحفيين (لأول مرة)، ومن واجبي الاعتذار لزملائي -ولو بعد فوات الأوان- لكوني أنا السبب، كما يقتضي الاعتذار – وهي ثالث الملاحظات – من الزميل الذي أزعجني بمعاكساته، حيث ظهر أن غمزاته كانت سياسية لكي يحذرني من التمادي في طرح أسئلة قد تكون سبباً وراء إرسالي إلى المعسكر التأديبي في الرضوانية.. وهي أدنى عقوبة!!