غيرة زوجة !!

189

حسن العاني /

على عادتها، ترفض ذاكرتي استحضار التاريخ على وجه الدقة، ولكنه لا يتعدى عام 1958 أو عام 1960 كأبعد احتمال، كان (رئيس) البلاد يومها هو الزعيم عبد الكريم قاسم ، الذي حظي بحب جماهيري كبير، وحضور شعبي واسع.
بغض النظر عن طبيعة ذلك الحب وذلك الحضور، فبعضه صادق حقيقي، وبعضه جهل او نفاق او مسايرة للشارع، أما أغلبه فسياسي، إذ عمد هذا الحزب أو ذاك التنظيم الى تجييره لمصلحته والانتفاع منه، وكان من نتائج هذا التجيير أن من يتعرض للزعيم بملاحظة نقدية – حتى وإن كانت تخدمه وتخدم سياسته – تقوم الدنيا عليه ولا تقعد، وفي العادة يتم اتهامه (بالمؤامرة)، وغالباً ما يودع التوقيف.. ومثل هذه الإجراءات التعسفية لا علاقة للزعيم بها من قريب او بعيد، ولكنها تصدر عن أصحاب المصالح السياسية، ولهذا رسموا للزعيم صورة دكتاتورية مؤذية باسم الحب والإخلاص له!
في منطقة سكني الشعبية (الطوبچي – حي السلام) ، كانت هناك سيدة تدعى ( أم جبار) تسكن في الزقاق نفسه الذي أسكنه، فيما كان مختار المحلة، السيد أبو اكرم (رحمه الله) جاري المباشر، الحائط على الحائط.. والذي حصل أن السيدة الكريمة أم جبار بلغها أن زوجها قد دخل بيت (فلانة)، وهي أرملة منذ ثلاث سنوات، لديها ولد وابنتان.. وقد جُنَّ جنون أم جبار، وفي نوبة زعلها واحتدام غضبها، وقد ذهبت بها الظنون بعيداً عن الحقيقة، قصدت منزل المختار في يوم صيفي شديد الحرارة، والساعة تقرب من الثالثة ظهراً، وطرقت الباب طرقاً عنيفاً ومتواصلاً أربك أهل الدار وأفزعهم.. حتى إذا دخلت المنزل، ومن دون مقدمات، قالت للمختار إن زوجها (شتم) الزعيم ويجب أن ينال جزاءه.. في سره ضحك المختار واخبرها بأنه سيبلغ مركز الشرطة لتلقي القبض عليه وتودعه السجن.. ثم أكمل حديثه: “عجيب أن يصدر مثل هذا التصرف من زوجك، فهو إنسان طيب وخيِّر وبعيد عن لغاوي السياسة.. حتى إنني كلفته أمس أن يذهب الى بيت (فلانة) الأرملة ليخطبها للمعلم إسماعيل الذي توفيت زوجه قبل سنين.. وقد قام زوجك بالمهمة، ويوم الخميس المقبل سيعقدان المهر إن شاء الله.” ونهض المختار بحركة تمثيلية وقال لأم جبار: “اسمحي لي أُختي.. الوضع مايتحمل تأخير.. سأذهب الآن الى مركز الشرطة لأقوم بالواجب!!”
فجأة تغير سلوكها وقالت: “الصحيح عمي أبو أكرم هو ما شتم الزعيم.. بس كان يشكو من الرواتب القليلة.” وفيما كان المختار يواصل حركاته التمثيلية ويلح في الذهاب الى الشرطة، كانت هي تتوسل الى الحد الذي قبلت يده!!