فردانيـّـــة القطبيـــــّـة على قدمٍ واحدة..!

136

رئيس التحرير: سرمد عباس الحسيني /

في تطور سياسي واقتصادي عالمي لافت، هددت الولايات المتحدة كلاً من تركيا والإمارات العربية المتحدة بعقوبات سياسية واقتصادية، بعد إدراكها أن كلتا الدولتين الحليفتين لها (تتحايل) على حزم عقوباتها على روسيا.
ونحن إذ نفهم أن لكل من تركيا والإمارات وضعها الجيوسياسي المختلف عن الآخر، سنفهم أن لكل منهما طريقتها الخاصة في التعامل مع الأزمات التي ولدتها الحرب الروسية- الأوكرانية، ولعل الاقتصادية هي ما يهمنا هنا.
فإذا استطاعت تركيا أن تظهر في هذه الأزمة كلاعب مزدوج أدى دوره بنجاح، بحكم عضويتها في (الناتو) المعادي لروسيا، وما (البيرقدار) التي أوجعت الجيش الروسي في بداية عمليته الخاصة عنا ببعيد.
ومن جانب آخر تلقَّف (أردوغان) فكرة (بوتين) بتحويل تركيا إلى مركز لتجميع الغاز الروسي تلقُّف الكرة، التي يكمن في باطنها (الفكرة) التحايل على تلك العقوبات، ليوجه (أردوغان) وزير طاقته بتأسيس مركز لتجميع الغاز الروسي في الجزء الغربي من تركيا، وليدعمه بوتين بتأكيده على أن خطي (نورد ستريم) لا قيمة لهما بعد الآن، قياساً إلى خط (تورك ستريم) الذي يربط روسيا بتركيا.
وفي الوقت الذي يراهن فيه (بوتين) على الانقسامات الأوروبية حيال الطاقة، يأمل أردوغان بقطف نتائج تلك الانقسامات لإنقاذ اقتصاده المتهالك، واعتماد ذلك ورقة ناجحة في انتخاباته الرئاسية المقبلة.
ومع ذلك.. لم تستوعب الولايات المتحدة تأكيدات تركيا بأنها لن تكون أداة للاحتيال الروسي على العقوبات، إذ أن المصالح تعلو فوق تأكيدات الثقة.
وحال دولة الإمارات هنا لا يختلف عن حال تركيا، المراقبة بالعين الأمريكية تجاه المتحايلين على العقوبات، والتهديد بطردها من مناطق النفوذ الاقتصادية الأمريكية حيال من يصح اتهامه بذلك (حسب وكالة رويترز).
فاتهام الإمارات بالتحايل يكمن في أساسه بطبيعة النظام الاقتصادي المعمول فيها، الذي يتميز بكونه ملاذاً مالياً عالمياً مرناً وآمناً، ما يتيح لروسيا عبر (المرونة والأمان) (بالتحايل الاقتصادي) على العقوبات، ولاسيما في أن تتبع حركة المال والتعامل الاقتصادي ما بين تركيا والإمارات من جهة، وروسيا من جهة أخرى، يصعب تتبعها بما تهوى أمريكا، وذلك بعد أن أصبحت الهند، عبر اتفاقها الاقتصادي مع روسيا، أكبر مشترٍ لنفطه، المسددة مدفوعاته بالدرهم الإماراتي!!
ويرى متابعون أن اتهام الحليفين الستراتيجيين بالتحايل والخداع، رغم نفيهما ذلك، ربما سيدفع بهما إلى الاندفاع نحو الجانب الشرقي من العالم (إن لم تكن بوادره قد حصلت بالفعل)، والابتعاد عن الحليف الأكبر، ما سيهز فكرة القطبية الواحدة والسعي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو الأمر الذي بدأت تعيه الولايات المتحدة الأمريكية منذ انسحابها من أفغانستان، وسط صعود سياسي واقتصادي صيني – روسي. فالدولتان تطمحان، وبخطوات جادة، إلى تغيير عالم القطبية الأوحد إلى متعددِهِ، فالصين باتت تعي جيداً أن صعود نجمها قد شكل رعباً للهيمنة الغربية، وهو الأمر الذي أدركته الصين في أن قوتها هي أساس مأزقها الذي يسعى الغرب للحيلولة دون توسعه، والذي لا يمكن البقاء في زاويته دون حليف موثوق به.. ومن غير روسيا ؟!
روسيا التي ابتدأت بقضم جرف القطبية الأوحد بعد أن وعت أن ضمان مستقبلها الجيوسياسي في المنطقة يكمن في استحضار ماضيها، وبضرورة (تصحيح أخطاء الماضي الذي أوجد أوكرانيا _ حسب بوتين)، وذلك عبر (عمليتها الخاصة) التي بدأت نتائجها تظهر في الميدان، وقرب سيطرتها المطلقة على (باخموت)، والسيطرة على كامل إقليم (الدونباس)، ومن ثم.. (كل الطرق تؤدي إلى كييف). وليهنأ بعدها (ستالين) في قبره باحتفال بوتين تحت نصب تمثاله في ستالينغراد في سنوية صمودها ضد النازيين، واللبيب.. بالإشارة يفهم.