فكرة مُلهمة
جمعة اللامي/
مَثَلُ حَدّ العقل، مَثَلُ حَدّ القلم،
ينبغي إعادة بَرْيِهِ باستمرار”
(سانت باف)
أكثر المنظمات الثقافية والأدبية العربية، في حال سبات شتوي طويل. والمقصود هنا ليس عدم حركة أعضاء تلك الهيئات، ولا قلّة مطبوعاتهم، وإنما انعدام الجرأة والصدق والابتكار لديهم. والأدب الحق، جرأة وصدق وابتكار، كما تعرفون. وأقرب مثال إلينا منظمة مصرية ذات هدف إنساني وأخلاقي نبيل، أطلقت على نفسها عنوان “بنك الأدباء” الذي ضم صفوة من رجالات الثقافة والآداب والعلوم والفنون في “الجمهورية العربية المتحدة” في حينه.
دعونا نفصّل في هذا الموضوع، فنقول إن “بنك الأدباء” ليس منظمة تتبع حكومة، ولا هو هيئة حرّر أسباب قيامها موظف لا يعرف أن القرآن الكريم يقرأ بأكثر من لهجة، وأن الجغرافي العربي الشهير المسعودي طلّق حياة القعود في المنزل وهو ابن ست عشرة سنة. “بنك الأدباء” صناعة الأدباء أنفسهم. هذا كل شيء.
ولقد وقفتُ على خبره، حين كنت فتى أبحثُ عن مسرحية لكاتب فرنسي ملك عقلي، ألا وهو موليير، عند دكان كتب في “مكتبة ميسانية”، حيث “شارع المعارف” الأكثر شهرة بمدينة العمارة. أقول: كنت أبحث عن ذلك الأثر الفرنسي، حين وقع بصري على مسرحية بعنوان “المسبحة الوردية” للكاتب الفرنسي اندريه بيسون، التي ترجمها الى اللغة العربية الدكتور محمد غلاب، أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة، في حينه.
هناك عرفت “بنك الأدباء”.
فعلى الصفحة الرابعة من ذلك الكتاب، قرأت “الناشر: بنك الأدباء، أول مؤسسة عربية لتمويل الأعمال الأدبية”. وعلى الصفحة الخامسة، طبعت هذه الجملة: “جميع حقوق الطبع والإذاعة والتلفزيون والتمثيل محفوظة لبنك الأدباء”.
والناس الذين يُعرفون ب”دود الكتب” يعرفون أن نهايات الكتاب، أي كتاب، فيها من العبر الكثير، فقصدت نهاية المسرحية المطبوعة، لأجد هناك صفحتين احتوتا على أهداف “بنك الأدباء” الذي هو “فكرة جريئة أقبلنا على تنفيذها بروح قوية دافعة، ونحمد الله على أن فكرتنا وجدت صدى بعيداً لدى قراء العربية في جميع البلدان العربية”.
ثم يأتي بعد ذلك الهيكل الإداري لهذا البنك الفريد، بأعضائه المؤسسين والشرفيين والعاملين، من أجيالهم المختلفة، ومدارسهم المتعددة. وفي صفحة واحدة، قرأت الكتب المعدة للطباعة، وبينها كتاب “الأوديسة” لهومير، و”حدّ الموسى” لسومرست موم .
والتفت حولي فأرى “بنوك الجهل” منتشرة كما ينتشر الفِطْر، ولها مديرون وأعضاء ومناصرون.