
في بيتنا مُزعج
عبد المنعم الأعسم
لاحظ عالم الحاسوب السويسري، المولود في لندن (بيرنرز لي) أن خدمات التواصل الاجتماعي بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي تتسبب غالباً في شعورنا بالانزعاج والكراهية. ويعود الفضل إلى (لي) في تحقيق الطفرات التكنولوجية التي عصفت بالعالم قبل ثلاثة عقود، وذلك أثناء عمله في مركز (سيرن) لأبحاث فيزياء الجسيمات بالعاصمة بيرن، حيث قدم وقتها مقترحاً لنظام إدارة المعلومات لمساعدة زملائه على تبادل المعلومات فيما بينهم، ثم واصل، بمثابرة راسخة، تنفيذ فكرته الخاصة بنظام تبادل المعلومات.
وبحلول عام 1991، كانت شبكة (الويب) العالمية جاهزة للعمل، وفي عام 1993، أقنع مؤسسته بإطلاق بروتوكول (الويب وكود) المصدر للعالم. وقد أرجع بيرنرز لي النجاح الهائل للويب إلى هذا القرار، في حين يتذكر خطواته الأولى للعبور الى النجاح عندما بدأت شبكة الإنترنت قبل 35 عاماً، ويقول: “عندما بدأ الأمر، لم أكن أتوقع أن يكون بهذا الشكل، وهذا التغيير.” لكنه يعبر عن حزنه في ذات الوقت من أن هذه الخدمات تسببت في جعل الناس “يشعرون بالغضب والانزعاج أو الكراهية”.
الى ذلك، تشير التنبؤات العلمية إلى أنه في العام 2030 سيكون قد مر أكثر من عقدين من السنين على اختراع (آيفون)، وإطلاق الحوسبة السحابية، وسيمتلك الجميع، من دون تحديد العمر، هواتف ذكية، وسيبلغ عدد سكان العالم 8 مليارات ونصف المليار نسمة. وبحسب أحدث التنبؤات (التوقعات)، فإن مدرسة المستقبل ستكون عبارة عن برنامج أو (سوفت وير) يعتمد الذكاء الاصطناعي لتوفير المواد التعليمية المطلوبة، في أي وقت وفي أي مكان، لجميع الدارسين، من دون الحاجة إلى مدرسة فعلية، حيث أن متلقي الدروس لن يخرجوا من منازلهم، ولا يضطرون إلى تحمل أعباء مالية، وسيكون أكبر بنك في العالم عبارة عن تطبيق يقضي أن تكون جميع معاملاته المالية رقمية.
من كان يصدق، قبل ثمانين سنة، بأن مقياس الترانزستر سيصل إلى 50 نانومتر، أي ما يقل بألفي مرة عن سُمك شعرة واحدة من رأس الإنسان؟ في ذلك الوقت، أي في أربعينيات القرن الماضي، بُني أول حاسوب إلكتروني في العالم بلغ وزنه 27 طناً، وضم في جوفه عشرات الآلاف من الصمامات، وعدة كيلومترات من أسلاك النحاس، وبلغت تكاليفه عدة ملايين من الدولارات، وكان للمليون الواحد شأن.
لقد شهد العالم سلسلة من الثورات التكنولوجية في مجال الإلكترونيات قبل التوصل إلى ما سمي بالدوائر المتكاملة، إذ استطاع العلماء تركيب مجموعة من العناصر الإلكترونية، شديدة التعقيد، على شريحة صغيرة من أنصاف النواقل، وشاء هذا التحول أن يدخل كل بضائع الحياة من معلومات في تلك الشريحة العجيبة، بل إنه فتح الطريق لسباق (مجنون) نحو المزيد من الاختراعات، التي بدت للمتابعين أنها تتحقق على مدار الساعة.
وقبل حوالي نصف قرن، لم يكن أحد ليصدق بأن تلك الشريحة السحرية ستقود العالم إلى إعادة تنظيم فانتازية، بحيث سيدار العديد من الدول من قبل (حكومات إلكترونية)، فالموظفون والمراجعون لن ينتقلوا من منازلهم. أما حامل جائزة نوبل العالم المصري أحمد زويل فقد حذرنا من أن العالم مقبل على طفرة علمية يحال معها الإنترنيت إلى التقاعد، وأن مقاييس التطور العلمي والتكنولوجي القديمة ستنكسر. والمشكلة، كما كان يقول العالم الفرنسي (أندريه ماري أمبير) قبل ما يزيد على قرن ونصف القرن من الزمان، أن ثمة بشراً لا يعرفون هذه الأنباء ذات الصلة بحياتهم. وقد طور برناردشو فكرة أمبير بالقول إن بعض البشر لا يريدون أن يعرفوا.. وقد صدقَ شو.