قاتلة على الهواء

1٬105

كاظم حسوني/

القاصة والروائية (كليزار انور) من الكاتبات القلائل اللواتي امتلكن اسلوباً ذا بصمة مميزة، تجلى ذلك خاصة في مجموعتها القصصية الأخيرة (قاتلة على الهواء)، حيث استطاعت أن تشق طريقاً دالا على انتاجها وأسلوبها المرتكز على المفردة الموحية التي تستمد من سمو لغة مرنة مكتنزة برشاقة آسرة، في نسيج مرويات تجانب الافاضة بالسرد، وتفارق محاولات التجريب التي تغري الكثير بدعاوى الحداثة، تلك النزعات الشكلانية الشائعة منذ الستينات، التي تخفق في الغالب في معالجة قصصية ناضجة، مغتالة بذلك روح الفن، فالكتابة بوضوح وفقا لرأي (همنغواي) عمل صعب!. والوضوح طبعا المزدان بالفن، إذ اعتمدت القاصة كليزار الجملة المكثفة المشحونة، والحوارات القصيرة بتقنية عالية، لتأثيث بيتها القصصي، كاشفة لنا قدراً من اشراقات العالم الباطني لشخوصها، وابراز المضامين الانسانية والمعاني الكبيرة، وكل ما يختلج في صدورهم، في اطار سرد مركب امتزج فيه الواقعي بالمتخيل، لانتاج لوحة قصصية مترعة بالألوان، بمجسات فنان مرهف، فمن يقرأ قصصها (قاتلة على الهواء) لا يمكن له انكار خصوبة خيالها واثارة شغف القارئ، بقدرتها على التشويق، بمهارة كاتب حاذق، خاصة بعدما هيمنت وسادت في غالبية نصوصها ثيمة الحب، التي تجلت عندها بقوة كأثمن مافي الوجود، مجسدة بصورة دافقة الأحاسيس المحفوفة بعاطفة موغلة بالصدق، لتصب في حس المتلقي دفئاً اخاذاً، يتسرب بعذوبة الى أعماق النفس، فيض محبة، ففي عالمها لا يتغير الانسان الا بالحب، اذ يكبر ويسمو، ويتزود بزخم الحياة والفرح، لتستفيق الأشياء من حوله، هكذا تفضي بنا أجواء ومناخات قصص كليزار، الى أنوار الروح لتجعل من صحراء حياة أبطالها واحات غناء، عاقدة بذلك صلة من لهب الوجدان بينها وبين المتلقي، لأنها تقوده ببطء الى آفاق يتمنى ولو بالخيال أن يصل مداركها، على حد وصف أحد أبطالها، كونها عالجت الحياة من الداخل وليس من سطحها، ولأن القاصة ظلت محلقة بنصوصها في فضائها الخاص الذي هو الحب بكل متاهاته، بوصفه أفضل حالة لارتقاء الانسان.