قاصّ الأطفال العالمي!
بيان الصفدي /
ربما كانت أكثر مقالب مالك المطلبي خطورة ما فعله مرة، لو تم حتى الآخر!
كان مقرنا وقتها في الوزيرية، وقد التحق بالعمل معنا كاتب اسمه “ح”، مبتسمٌ دوماً بلا سبب، يكتب كثيراً، ويُنشَر له القليل، لذا كان دائم الشكوى من ذلك، وهو دائم المديح لعمله، ويذكر أن فلاناً قال له كذا وفلانة كذا، وأنه مهضوم الحق بين عتاولة الدار، ويعد نفسه مظلوماً جداً، وبصعوبة صدرت له مجموعة قصص وقتها. في تلك الأثناء كان مالك المطلبي يعمل معاوناً للمديرة العامة في مكتبه بالدور الثاني، وهناك جائزة مشهورة في آداب وفن الطفل تمنح في بولونيا، فاستدعى زميلنا الثاني بلاسم محمد خريج بولونيا، وطلب منه -كونه خطاطاً ومصمماً- أن يكتب رسالة بالبولونية ويرسم ختماً وتوقيعاً بالأخضر، بعد ساعتين كان بلاسم قد أحضر المطلوب في ظرف، مكتوب عليه أنه من سفارة بولونيا إلى الأستاذ “ح” في دار ثقافة الأطفال في العراق، مع الاتفاق على ما يجب فعله لبقية المقلب. أغلق مالك الظرف واستدعى “ح”، وقال له: – لكَ رسالة من السفارة البولونية.
وسلمه الرسالة وسط دهشة “ح”، فما علاقة تلك السفارة به، ثم.. كأن “مالكاً” تذكر شيئاً صار يقول: “هسه منو عدنا يعرف بولوني.. منو؟ أيوا بلاسم..بلاسم!”
هاتفه، فحضر بلاسم بكل براءة! وهنا طلب منه بأن يترجم ما في الرسالة لـ”ح”.
راح بلاسم يقرأ، و”ح” يكاد يطير في السماء من الدهشة غير المتوقعة.”السيد الأديب العراقي الكبير ح المحترم..تتشرف وزارة الثقافة البولونية من خلال جائزتها لأدب الطفل أن تعلمكم أنه قد تم منحكم الجائزة العالمية الأولى لأدب الطفل هذا العام وقيمتها عشرة آلاف دولار مع استضافتكم مع من تحدِّدون من أسرتكم في بولونيا لتسلم الجائزة، وعليكم مراجعة سفارتنا في بغداد لاستكمال ما يحتاجه سفركم.
وتقبلوا المحبة والتقدير.” طبعاً كانت تنطلق صيحات الإعجاب منا، ورحنا نعانقه مهنئين، و”ح” لا يستطيع النطق من فرحة المفاجأة، بينما مالك يقول له:
-مو تروح سكته لبولونيا ترى أريد أوصيك على كم شغلة لجهالي!
بعدها أخذ “ح” الرسالة وانطلق قاصداً السفارة البولونية، لكن ما إن خرج من بوابة الدار حتى أسرع مالك وبلاسم إلى الشرفة، وأخذا يناديان بإلحاح على “ح” كي يعود لأمر بالغ الأهمية. لقد أحس بلاسم ومالك بأن ذهاب “ح” إلى السفارة البولونية مع تلك الرسالة سيجر مشكلة لا يعلم عقوبتها من السلطات العراقية إلا الله، فلم تكن تلك الرسالة سوى مجموعة من السباب البذيء بالبولونية، وهذا مساس بهيبة الدولة ولعب سخيف مع جهة دبلوماسية أجنبية.
صعد “ح” لاهثاً وقال:
-خير أستاذ مالك.. شكو؟
أخذ الرسالة منه وقال له:
-يمعود دانتشاقا وياك.. أنت ما تقبل الشقا؟
هنا هاج “ح” وماج وأرعد وأزبد وقد أسقط في يده، فاندفع بجنون إلى مكتب المديرة العامة التي قامت باستدعاء مالك وبلاسم، ووبَّختهما بقوة على هذا اللعب الصبياني في أمر خطير، وظل “ح” مقاطعاً الغالبية حتى انتهت آثار تلك المزحة الثقيلة.