قُبّرةٌ مُتَدَيرَمَةٌ وسحابةٌ بيضاء!

341

لا‭ ‬هذا‭ ‬الليل‭ ‬أنا،‭ ‬

ولا‭ ‬ذاك‭ ‬النهار‭ ‬أنتِ،‭ ‬

كل‭ ‬سيمضي‭ ‬إلى‭ ‬أفقه،

أنتَ‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،

مثل‭ ‬شجرة‭ ‬رمان‭ ‬خاصمها‭ ‬الربيع،

وأنا‭ ‬إلى‭ ‬منفاي‭!‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬شتاء،‭ ‬ولا‭ ‬كان‭ ‬ربيعاً‭. ‬

خرّت‭ ‬السحابة‭ ‬البيضاء‭ ‬خلف‭ ‬السور،‭ ‬وكانت‭ ‬قُبّرةٌ‭ ‬بلون‭ ‬الرمل‭ ‬تتكئ‭ ‬على‭ ‬نهاية‭ ‬عمود‭ ‬صغير‭ ‬مدبب‭ ‬عند‭ ‬الرأس،‭ ‬وتضرب‭ ‬بمنقارها‭ ‬الذي‭ ‬بلون‭ ‬الديْرَم‭ ‬على‭ ‬السلك‭ ‬الشائك‭ ‬المكهرب،‭ ‬رفعت‭ ‬القبّرة‭ ‬جسدها‭ ‬قليلاً‭ ‬فوق‭ ‬السور،‭ ‬مصطفقة‭ ‬الجناحين،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬مطرحها،‭ ‬وطفقت‭ ‬تَنودُ‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬ثمَّ‭ ‬مدت‭ ‬رقبتها‭ ‬باتجاهي،‭ ‬حتى‭ ‬خلتُ‭ ‬أنها‭ ‬تريد‭ ‬مساررتي‭ ‬بشيء‭ ‬ما‭: ‬

كنت‭ ‬مبتلاً‭ ‬بالمطر‭ ‬الصحراوي‭ ‬المفاجئ‭.‬

‭ ‬عادت‭ ‬السحابة‭ ‬بيضاء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نفضت‭ ‬ريشها‭ ‬الداكن‭ ‬فوق‭ ‬المكان،‭ ‬بينما‭ ‬بقيت‭ ‬القبّرة‭ ‬منفردة‭ ‬تنظف‭ ‬ساقيها‭ ‬ومفارق‭ ‬أصابعها‭ ‬من‭ ‬وضر‭ ‬المطر‭ ‬الصحراوي‭: ‬

قبّرة‭ ‬بحجم‭ ‬قلب‭ ‬صبيٍ‭ ‬مراهق‭ ‬دَيْرَمَتْ‭ ‬منقارها،‭ ‬كانت‭ ‬مثل‭ ‬عروس‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الحمام‭ ‬توّاً‭ ‬ولم‭ ‬تمهلني‭ ‬لحظات‭ ‬قليلة‭ ‬لاستقصاء‭ ‬تاريخها،‭ ‬بيد‭ ‬أني‭ ‬أعرف‭ ‬هذا‭ ‬السور‭ ‬وتاريخي‭ (‬هل‭ ‬للفتيان‭ ‬المراهقين‭ ‬تاريخ؟‭) ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تاريخي‭ ‬سوى‭ ‬مكتبة‭ ‬متنقلة،‭ ‬وحلم‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬أفرادها‭ ‬بعدد‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة‭ ‬لا‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬الله‭.‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الرأس‭. ‬أحلاماً‭:  ‬ترى‭ ‬بماذا‭ ‬تحلم‭ ‬القبّرة‭ ‬الآونة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬عليّ‭ -‬أنا‭ ‬فقط‭-  ‬مواجهة‭ ‬قبّرة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬سوى‭ ‬الطيران‭ ‬بين‭ ‬فسحات‭ ‬السور،‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬الغدير،‭ ‬بينما‭ ‬السحابة‭ ‬البيضاء،‭ (‬كانت‭ ‬غيمة‭ ‬غير‭ ‬ولود‭) ‬ارتفعت‭ ‬بعيداً،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬السماء‭ ‬النائية‭ ‬عن‭ ‬السور،‭ ‬مفردة‭ ‬جناحين‭ ‬أرجوانيين،‭ ‬مثل‭ ‬قبّرة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬إلاّ‭ ‬حرية‭ ‬الطيران‭.‬

‭ ‬تعثرتُ‭ ‬بأطماري‭ ‬وكيس‭ ‬من‭ ‬الدفاتر‭ ‬التي‭ ‬دونت‭ ‬فيها‭ ‬تاريخ‭ ‬السور‭ (‬نعم‭ ‬تاريخي‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬السور‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬أخذ‭ ‬السور‭ ‬يتقدم‭ ‬نحوي،‭ ‬مهيباً‭ ‬مثل‭ ‬طائر‭ ‬الرُّخ،‭ ‬ففزعتُ‭ ‬إلى‭ ‬القبّرة‭ ‬أشاكيها‭: ‬

تعالي‭ ‬أيتها‭ ‬المفتونة‭ ‬بالطيران،‭ ‬المُتديرمة‭ ‬بحناء‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬العيد،‭ ‬نتبادل‭ ‬المواقع‭ ‬ونتقايض‭ ‬الأدوار‭: ‬أنت‭ ‬أنا،‭ ‬وأنا‭ ‬القبّرة،‭ ‬

بي‭ ‬شوق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أسقط‭ ‬خلف‭ ‬هذا‭ ‬السور‭ ‬لتذروني‭ ‬الرياح،‭ ‬

مثل‭ ‬أزهار‭ ‬شجرة‭ ‬تفاح‭ ‬أو‭ ‬رمان‭ ‬خاصمها‭ ‬الربيع‭. ‬

قالت‭ ‬القبّرة،‭ ‬

أنت‭ ‬لا‭ ‬تطلب‭ ‬مستحيلاً،‭ ‬هيا‭.. ‬افرد‭ ‬جناحيك‭ (‬مثلي‭ ‬هكذا‭) ‬وعندها‭ ‬ستطير‭. ‬

توهمت‭ ‬أنَّ‭ ‬لديَّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جناحين،‭ ‬

حاولت‭ ‬الطيران،‭ ‬لكن‭ ‬ساقيّ‭ ‬انشدتا‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬

عندها‭ ‬سمعت‭ ‬القبّرة‭ ‬تصيح‭ ‬علي،‭ ‬

أيها‭ ‬الطيني‭ ‬المنذور‭ ‬للعدالة،‭ ‬

المحكوم‭ ‬عليك‭ ‬بنعمة‭ ‬الابتلاء،‭ ‬

أنت‭ ‬تحلم‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬أفرادها‭ ‬بعدد‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة،‭ ‬

ولا‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬الله،‭ ‬

لكنك‭ ‬نسيت‭ ‬معاينة‭ ‬هذه‭ ‬الطيور‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬الله،‭ ‬

من‭ ‬أين‭ – ‬إذاً‭ ‬،‭ ‬تتأتّى‭ ‬لي‭ ‬مجاورة‭ ‬الحكمة،‭ ‬

إذا‭ ‬لم‭ ‬أكن،‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬

قد‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬حكمة‭ ‬القبّرة؟‭ ‬