قُبّرةٌ مُتَدَيرَمَةٌ وسحابةٌ بيضاء!
لا هذا الليل أنا،
ولا ذاك النهار أنتِ،
كل سيمضي إلى أفقه،
أنتَ إلى السلطة،
مثل شجرة رمان خاصمها الربيع،
وأنا إلى منفاي!
لم يكن شتاء، ولا كان ربيعاً.
خرّت السحابة البيضاء خلف السور، وكانت قُبّرةٌ بلون الرمل تتكئ على نهاية عمود صغير مدبب عند الرأس، وتضرب بمنقارها الذي بلون الديْرَم على السلك الشائك المكهرب، رفعت القبّرة جسدها قليلاً فوق السور، مصطفقة الجناحين، ثم عادت إلى مطرحها، وطفقت تَنودُ لفترة وجيزة، ثمَّ مدت رقبتها باتجاهي، حتى خلتُ أنها تريد مساررتي بشيء ما:
كنت مبتلاً بالمطر الصحراوي المفاجئ.
عادت السحابة بيضاء بعد أن نفضت ريشها الداكن فوق المكان، بينما بقيت القبّرة منفردة تنظف ساقيها ومفارق أصابعها من وضر المطر الصحراوي:
قبّرة بحجم قلب صبيٍ مراهق دَيْرَمَتْ منقارها، كانت مثل عروس تخرج من الحمام توّاً ولم تمهلني لحظات قليلة لاستقصاء تاريخها، بيد أني أعرف هذا السور وتاريخي (هل للفتيان المراهقين تاريخ؟) ومع ذلك لم يكن تاريخي سوى مكتبة متنقلة، وحلم في مملكة أفرادها بعدد أصابع اليد الواحدة لا تتخلى عن الله.
وكان هذا كله يحدث في الرأس. أحلاماً: ترى بماذا تحلم القبّرة الآونة؟ ولماذا عليّ -أنا فقط- مواجهة قبّرة لا تعرف سوى الطيران بين فسحات السور، منطلقة من الغدير، بينما السحابة البيضاء، (كانت غيمة غير ولود) ارتفعت بعيداً، في قلب السماء النائية عن السور، مفردة جناحين أرجوانيين، مثل قبّرة لا تعرف إلاّ حرية الطيران.
تعثرتُ بأطماري وكيس من الدفاتر التي دونت فيها تاريخ السور (نعم تاريخي هو تاريخ السور)، بينما أخذ السور يتقدم نحوي، مهيباً مثل طائر الرُّخ، ففزعتُ إلى القبّرة أشاكيها:
تعالي أيتها المفتونة بالطيران، المُتديرمة بحناء أول أيام العيد، نتبادل المواقع ونتقايض الأدوار: أنت أنا، وأنا القبّرة،
بي شوق إلى أن أسقط خلف هذا السور لتذروني الرياح،
مثل أزهار شجرة تفاح أو رمان خاصمها الربيع.
قالت القبّرة،
أنت لا تطلب مستحيلاً، هيا.. افرد جناحيك (مثلي هكذا) وعندها ستطير.
توهمت أنَّ لديَّ أكثر من جناحين،
حاولت الطيران، لكن ساقيّ انشدتا إلى الأرض،
عندها سمعت القبّرة تصيح علي،
أيها الطيني المنذور للعدالة،
المحكوم عليك بنعمة الابتلاء،
أنت تحلم في مملكة أفرادها بعدد أصابع اليد الواحدة،
ولا تتخلى عن الله،
لكنك نسيت معاينة هذه الطيور التي في مملكة الله،
من أين – إذاً ، تتأتّى لي مجاورة الحكمة،
إذا لم أكن، من قبل،
قد فكرت في حكمة القبّرة؟