كاد المعلم أن “ينفذ بريشاته”

886

حمزة مصطفى/

مازلنا، نحن أبناء الجيل القديم، نفتخر بأننا كنا نحترم معلمينا ممن كاد كل واحد منهم أن يكون “رسولاً”، طبقاً لتوصيف أمير الشعراء أحمد شوقي. بلا شك أن احترامنا للمعلم أيام زمان كانت فيه جَنَبة خوف ورهبة ربما سببها سيطرة الأسرة، لاسيما الأب، على كل تصرفاتنا داخل البيت وخارجه. لكن هذا الاحترام أسيء بعض الأحيان استخدامه من قبل بعض المعلمين آنذاك ممن تحولوا “برؤوسنا”، نحن التلاميذ الصغار، الى دكتاتوريين “إيدهم والعصا” وأحياناً لأبسط مخالفة. ولو سألت أي واحد من تلاميذ الخمسينات والستينات والسبعينات لروى لك المزيد من القصص عن أنواع العقوبات التي كنا نتعرض لها داخل الصف دون أن نجرؤ حتى على مفاتحة أهالينا.

فالمعلم، لاسيما في المدن والقرى والنواحي الصغيرة، كانت له “طنّة ورنّة” في الأوساط الاجتماعية والعشائرية لاتدانيها سوى مكانة مفوض الشرطة ومأمور المركز ومدير الناحية، أما المفتش الذي يسمونه اليوم “المشرف التربوي” فإن زيارته للمدرسة تكون دائماً في مصاف الزيارات التاريخية التي يتداول أمرها الطلاب أياماً طوال. المحصلة أن المدرسة كانت جزءاً من المنظومة الإدارية في المنطقة. والمعلم كانت له حصانة تشبه الى حد بعيد حصانة نواب البرلمان عندنا اليوم لجهة عدم محاسبتهم لو كان كل واحد منهم “مصخم الشرايع”.

أذكر مرة كنت مع أولادي بالسيارة وإذا بأحدهم يناديني”حمزة” بصوت عال دون أن يسبقها بمفردة أستاذ. وحين نظرت الى مصدر الصوت كان الأستاذ ماهر مدرسي للغة الإنجليزية أوائل سبعينات القرن الماضي. “طبكت” السيارة وهرولت إليه محيياً وأنا أمطره بوابل من الكلمات “شلونك أستاذ؟ كيف حالك أستاذ؟ آسف ما شفتك أستاذ” وهو يتحدث معي بكبرياء الأستاذ القديم مع تلميذه الذي بات ينادونه أستاذ حتى بالفضائيات والدواوين. أولادي حين عدت إليهم “استهجنوا” الأمر بحيث قالوا لي وهم في أشد حالات الغضب..”بابا هذا منو اللي رافع الكلفة وياك ويكلك حمزة حاف؟” قلت لهم وأنا “أزخ عرك” بابا هذا أستاذ ماهر الذي درسني الإنجليزي في السبعينات؟ ابني الأصغر مصطفى كان أكثرهم غضباً بحيث قال لي “بابا أصلاً هذا الأستاذ ما يستحق تسلم عليه.. قلت له.. ليش ابني؟.. قال لو مدرسك إنجليزي زين كان هسه تعرف في الأقل واتس يور نيم.. مو بس بطرك يس و نو وفوكاها نازل عليه تركض وتتذلل عبالك هو شكسبير”.

قلت لمصطفى معك حق.. الزمن اختلف بحيث لو بعث شوقي اليوم لكتب “كاد المعلم أن ينفذ بريشاته”.