كلمة أولى

857

رئيس التحرير/

سلمت فتاة جميلة على رجل مسن قائلة له: شلونك حجي؟ فقال لها أنا لم أذهب الى الحج بل الى العمرة، فقولي لي شلونك عمري!
هذه نكتة قديمة لكن الجديد فيها أنني غالبا ما أسمع من يناديني في الأماكن العامة بـعبارة “حجي”.. تفضل حجي ..شتريد حجي.. شلونك حجي.. وفي واحدة من المرات سألت الحلاق، عندما قال لي كيف تريد أن أقص لك شعرك حجي.. قلت له هل في هيئتي أو ملامحي شيء يدل على أنني زرت بيت الله الحرام. فقال لي: لا حجي بس أحنا نقول ذلك للاحترام.
طبعا غير الاحترام هناك أسباب أخرى لشيوع هذه الصفة منها جو التدين السائد في العراق منذ التغيير 2003 ففي السبعينات مثلا كانت الصفة السائدة في مناداة الناس لبعضهم البعض هي “أستاذ” أو “أخي”. وفي أواخر سنوات البعث كانت “شلونك رفيق” هي السائدة.
أحيانا أشعر بأن القبول بهذه التسمية يشبه القبول بالشهادة المزورة، لكن المشكلة أن هذه الألقاب أصبحت شائعة وسائدة عندنا وقد يساء فهمك إذا اعترضت على من يناديك بها. أتذكر أن مقدم برامج تلفزيونية قدمني قائلا “الآن نسمع رأي الدكتور جمعة الحلفي” فقلت له، قبل أن أجيب، عفوا أنني لست دكتورا. فأستاء المقدم من ذلك لأنني أظهرته أمام المشاهدين وكأنه لا يعرف شخصية ضيفه.
وعلى المنوال ذاته اصبحت قصة تزوير الشهادات في العراق، خلال السنوات الماضية، تشبه قصة شلونك حجي، أينما ذهبت تسمع بها. وبحسب مطلعين على بواطن الأمور فإن ربع أعضاء مجلس النواب في دورته السابقة كانت شهاداتهم مزورة وقبضوا مئات الملايين بها.
ومثل هذه المشكلة لا تعاني منها الدول المتقدمة فهناك لا يحتاج المواطن الى التزوير كي يحصل على فرصة عمل لأنه بالامكان تعلم أي شيء وأية حرفة في ظروف سهلة ومتيسرة. وفي هذه البلدان لا يوجد سوق مريدي. كما أن وعي الناس هناك متقدم علينا وهم يخشون أي عمل خارج القانون قد يشوه سمعتهم الشخصية لأن تشويه السمعة هناك سيلاحق الشخص أينما ذهب وطوال سنوات عمره، لكن عندنا العكس لا أحد يخشى ذلك، ومثلما يقولون لك “شلونك حجي” يمكن أن يقولوا لك “شلونك دكتور”.. والدليل الآخر أن الكتل السياسية في البرلمان تبحث منذ فترة عن فرصة أو طريقة مقبولة لإعفاء المزورين من هذه التهمة الكريهة.. وربما يتم بعدها إعادة الاعتبار لهم كمواطنين صالحين لم يفعلوا شيئا سوى… تزوير شهادة.!