كلمة أولى

1٬126

رئيس التحرير/

هل تبقى، بعد الآن، لأحد من أشقائنا العرب ووسائل إعلامهم، من حيرة تبيح له السؤال عن سرّ أحزاننا نحن العراقيين، فلدينا، اليوم، ما يكفي لإجابات دامية من هذا النوع، ولديهم ما يكفي من البراهين على فداحة الخسارات، التي دفعها العراقي ولا يزال يدفعها، على مذبح حريته المنشودة وأمله في الاستقرار والحياة الكريمة. أم تبقى من العذر لأولئك الصامتين، الأشبه بالشامتين، بعد كل هذا العويل المرير، الذي يدمي القلوب ويصدّع الأفئدة؟ إنه عويلنا القديم نفسه، ذلك الذي عرفت سجون وأقبية وقبور، الطاغية، كيف تثيره فينا كل حين، وها هو يبدأ ويستمر، مع الإرهاب والإرهابيين، فصوله الدموية الجديدة.
في أسبوع واحد فقط تنقل العراقي من مجزرة الى مجزرة أخرى، من مجزرة الشعلة إلى مجزرة مدينة الصدر، ومن مجزرة المقدادية، إلى سلسلة لا تنتهي من الاغتيالات ومحاولات الاغتيال والتفجير، أفلا يكفي نقيع الدم العراقي هذا لإرواء عطش الإرهاب والإرهابيين ومن يدعمهم ويوفر لهم البيئة الحاضنة، كي يبلغوا جنتهم الشيطانية!
ألا يكفي كل هذا الدم لكي يقف العراقيون، جميعاً، بمكوناتهم ودياناتهم وطوائفهم وأحزابهم وكتلهم، لحماية ضرعهم وزرعهم ونسلهم ومستقبل وطنهم، في مواجهة وحوش الظلام وعشاق القبور؟
ألا يكفي كل هذا لاستثارة ضمائر الشرفاء في العالم، بعد أن يئسنا من ضمائر ذوي القربى؟
لقد وقف العراقيون، منذ بدأ الإرهاب يحصد أرواح الأبرياء، لكي يسمعوا العالم صمتهم المدوي، فقالوا كلمتهم الفصل بإدانة الإرهاب والإرهابيين ومن شجعهم ووفـّر لهم المأوى وساعدهم بالمال أو بالكلمة أو بالإشارة المشبوهة.
لقد انتصر العراقيون بالأمس، حين اقام صلاة مشتركة على ارواح الشهداء ووقفوا صفاً واحداً يلوحون بدموعهم الزكية وعويلهم الصامت، لضحاياهم وأحبتهم. انتصروا وسينتصرون حتماً، لكنهم سيبقون حزانى، فمن حزنهم المعتق ستنبثق بشرى المستقبل الذي ينتظرون.