كلمة أولى

882

رئيس التحرير/

وسخ دنيا

وزير مالية لثماني مرات في عهد النظام الملكي، لم يكن يملك لا بيتاً ملكاً ولا سيارةً خاصة.. وعندما سئل مرة.. رد وهو يضحك (يمكن راتبي ما بي بركة).. والحقيقة هي أن زوجته كانت رئيسة جمعية لمساعدة الفقراء.. وكانت توزع نصف راتبه كل شهر على الفقراء بمعرفته وموافقته.. بالطبع.

هذه (نتفة) من كتاب للدكتور هادي حسن عليوي، عن زعماء العراق في العهود السابقة، وهو كتاب موسوعي ضخم لم يطبع بعد.
ذكرتني هذه (النتفة) بالتسميات والأمثال التي يطلقها الناس على المال أو (الفلوس) بالشعبي، ومنها قولهم (الفلوس وسخ دنيا) وهذه كذبة مفضوحة، فلو كانت صادقة حقاً لتجنب الناس هذا الوسخ ولم يغطسوا في هذا المستنقع حتى هاماتهم.
وأعود لكتاب الدكتور هادي حسن وأنقل منه (النتفة) التالية: عضو مجلس السيادة في العهد الجمهوري (أي نائب رئيس جمهورية العراق) قدم استقالته معللاً ذلك بالقول (بأنه لا يعمل شيئاً في منصبه هذا).. ولم تُقبل استقالته ولم تُرفض.. لكنه لازم بيته.. وبعد شهر أرسلوا له راتبه. وكان بحاجة ماسة لذلك الراتب.. فلم يكن له أي مورد آخر.. لكنه رفض استلامه.. وأعاده إلى رئيس الوزراء قائلاً: (حرام أستلم راتب بدون عمل !)..

اقرأ في كتاب الدكتور هادي وأنا أشاهد بمتعة مسلسل هيئة النزاهة، التي نشطت هذه الأيام بشكل ملفت ومفرح، وأخص بالذكر حلقات المحافظين الأشاوس (البصرة وصلاح الدين والأنبار) في هذا المسلسل، فهؤلاء بمثابة رؤساء جمهورية أو حكومة، في محافظاتهم، لكن ظهر أنهم مجرد حرامية وسراق للمال العام، ونحن هنا لا نحمل هؤلاء المحافظين، وحدهم، فضائح الفساد التي تورطوا بها، إنما نحمل الكتل والأحزاب التي اختارتهم (بعناية شديدة كما يبدو!) لشغل هذه المناصب، لذلك فهي تتحمل المسؤولية بالقدر ذاته.

وكما يبدو فإن هذه الكتل والأحزاب تؤمن، هي الأخرى، بإن (الفلوس وسخ دنيا) لهذا لم تعر سرقات محافظيها أهمية كبيرة