كلمة أولى

917

رئيس التحرير/

كنتُ خطاطاً

 أيام الشباب، في السبعينات، كنا طموحين نريد أن نتعلم ونتقن كل شيء. نقرأ الكتب ونكتب الشعر ونرسم ونغني، وفوق هذا كله، نشتغل في السياسة!

كنتُ أيامها، مغرماً بالخط العربي، فبدأت أدرب نفسي كي أصبح خطاطاً محترفاً.. شيئاً فشيئاً صار بامكاني أن أخط عبارة بـ “الرقعة أو الديواني أو الثلث، أو الفارسي”، ماعدا «الكوفي» لم أحبه ولم أجده على الإطلاق.

كان من المنافسين في تلك الأيام صديق اسمه عبد الواحد جبر فقد كان يمتلك أنامل مرهفة ويجيد كل الخطوط، فضلاً عن صوته العذب الذي ينافس به صوت سلمان المنكوب.

كذلك كان من المنافسين الشاعرين الصديقين عواد ناصر وحميد قاسم، والأخير كان يستخدم هذه الموهبة في تقنيات فنية لخط الشعارات السياسية على حيطان مدينة الثورة.

عملت فترة قصيرة في محل خطاط معروف في شارع الرشيد، وكان عملي املاء الفراغات بالحبر أو اللون فقط، ثم عملت مع خطاط في القاعدة الجوية بالحبانية حيث كنت جندياً أيامها، ومن هذا الخطاط تعلمت الكثير.

في تلك الفترة لم يكن لدي عمل سوى الدراسة المسائية، ولأنني كذلك فقد كنت أسهر إلى وقت متأخر، وأنام صباحاً حتى الضحى.

كانت هناك لافتة كنت خططتها بيدي ووضعتها على الحائط فوق سريري مكتوب فيها القول المأثور: (العمل شرف، العمل أخلاق، العمل واجب).
جاء والدي صباح أحد الأيام ووقف فوق رأسي وطلب من أخي الكبير أن يقرأ له المكتوب في تلك اللافتة، فقرأها له، عندها أزاح والدي اللحاف عن وجهي ونغزني في ضلعي لأصحو، ففززت مرعوباً وإذا به يقف فوق رأسي مكفهراً وهو يرتجز بسخرية: (يابه.. إذا أنت صدك مؤمن بأن العمل شرف وأخلاق وواجب ..جا بويه ليش تنام للظهاري؟).

انتهى المشهد حينها بالمزيد من الاضطراب، فتركت تعلم الخط العربي من ساعتها ونزلت في اليوم التالي إلى مسطر العمال في ساحة الطيران لاشتغل عامل بناء، من الخامسة صباحاً وحتى الخامسة عصراً.