كلمة أولى

1٬339

رئيس التحرير/

كلما انكشفت أمامنا كذبة من الأكاذيب، نردد المثل الشهير القائل إن حبل الكذب قصير، لكننا لا ندرك حقيقة أن تلك الكذبة، التي انكشفت أمامنا للتو، ليست سوى نقطة من بحر الأكاذيب السائد في عالمنا الراهن، وبالتالي فإن حبل الكذب أطول مما نتصور.
لقد ابتكر الإنسان، وهو صانع الأكاذيب الأول، أساليب كثيرة لتمريرها أو تغليفها وتسويقها. فهناك الكذب الأبيض، والكذب عند الضرورة، والكذب على الأطفال، والكذب على الزوجات، والكذب على الدولة، والكذب على الدين.. أي أن الإنسان يبتكر الأكاذيب الصغيرة لتبرير أكاذيبه الكبيرة.
وكما يبدو فإن الإنسان يميل بطبعه للأكاذيب، بالرغم من كونها من الصفات المذمومة لديه، لذلك ارتبطت قصص الكذابين المشهورين، بنوع من الطرافة وخفة الدم. وغالباً ما يتحدث الناس عن هؤلاء بشيء من الإعجاب، بل ويحسدونهم أحياناً، على جرأتهم وظرفهم.
ولمناسبة الحديث عن الكذابين الكبار فمن حكمهم الشهيرة قول أحدهم: عندما تكذب كن صادقاً! ومن الأدلة على ميل الناس للكذب، ابتكارهم للأول من نيسان (ابريل) وهو يوم الكذب العالمي، وكثيراً ما تعرّض الناس لاحراجات ومقالب حزينة، في الأول من هذا الشهر جراء وقوعهم ضحية كذبة سيئة أو غير حاذقة، من ثقيل دم، فدفعوا ثمنها وبالاً، لأن الكذب كذب أبيض كان أم أسود ولا ينتج عنه غير الشرور.
والمعروف أن لكل مهنة من المهن طرق وأشكال كذبها، فالتاجر (مثلاً) يقسم لك بأغلظ الإيمان أن سعر تكلفة هذه السلعة ألف دينار، لكنه يناديك، ما أن تدير له ظهرك، ليبيعك السلعة نفسها، بخمسمائة دينار وهو يبتسم ويردد: والله بعناها لك بخسارة.. وهو يكذب طبعاً. والخياط والنجار والحداد والسمكري، ومختلف أصحاب مثل هذه المهن، معروفون بالكذب في مواعيدهم، فالواحد منهم يقول لك: غداً، بكل تأكيد، تكون حاجتك مقضية. وبعد أسبوعين وثلاثة من الموعد، يعود ليكرر عليك الكذبة نفسها، من دون كلل ولا ملل.
وإذا كانت أكاذيب أصحاب هذه المهن والحرف، مهضومة ومعروفة، فإن أكاذيب السياسيين هي الأخطر. فهؤلاء لا يكذبون عليك وحدك، بل على شعوب بكاملها. وغالباً ما تؤدي أكاذيبهم، إلى الدمار والخراب.
ومن سوء حظ الصحفيين أنهم تعلموا الكذب من السياسيين. وكذب الصحفيين من افضح أنواع الكذب، وهم لا يخجلون منه لأنهم يلصقونه، دائماً، بظهر السياسي. لذلك تجد أكاذيب الصحف منسوبة أما (لمصدر سياسي مسؤول) أو (لمصادر عليمة) أو (لمصادر دبلوماسية مطلعة). لكن أظرف الأكاذيب الصحفية هي تلك التي تنسب لمسؤول سياسي (طلب عدم ذكر اسمه).
لكن المشكلة إن هناك، اليوم، من يكذب نهاراً جهاراً، ولا يطلب عدم ذكر اسمه!