كنت شاهداً على تجاربهم

637

رئيس التحرير /

في سنوات مراهقتنا، قبل أربعين عاماً أو أكثر بقليل، كلما صادفتنا علاقة حب تمنينا أن تتوّج بالزواج كنهاية حتمية.. نتخيل مراسم الزفاف وطقوس الفرح وأسماء الحضور وأشكالهم وملابسهم… حتى أطفالنا ننتقيهم بعناية ونرسم صوراً لهم قبل أن نستيقظ على ساعة الفراق وتنتهي كل تلك الأحلام.
استعرضت أصدقاء عدة ممن كنت شاهداً على أسرار مغامراتهم العاطفية آنذاك، وكيف بدأت ثم انتهت فصولها بمأساة.. أحدهم كان مغرماً حد الجنون بحبيبته الخرساء ذات الشعر والبشرة الشقراء والشفتين الورديتين والقوام الفرنسي الرشيق.. كان يلتقيها في باب دارها قبل منتصف الليل أثناء الشتاء، حيث يخلد جميع أهلها إلى النوم.. في الصباح يحكي لي مفارقات اللقاء وكيف أنه يضع كفه على فمها لكي لا يسمع صوتها أحد، فهي كأي عاشقة تريد أن تتحدث معه أو تسمع صوته لكنها محرومة من ذلك، فهي صمّاء بكماء… يتأمل قليلاً فيخبرني بألم أنه يتمنى أيضاً أن يحدثها عن حبه لها… أن يسمعها كلمة أحبك كما يفعل أقرانه العشاق، وأن يتغزل بها حد الهيام.. بعد عقود من السنين شاهدته يرافق زوجته.. بالطبع لم تكن حبيبته السابقة التي فقد أثرها إلى الأبد.
آخر كان معي في الأول المتوسط في العام ١٩٧٩.. نجلس على رحلة واحدة.. كان مراهقاً ظريفاً… منعه حياؤه من أن يفاتحها بمعاناته حتى افترقا.. سألتُه يومها عمّا يمنعه من مصارحتها فعلمت أن بياضها وعذوبة جمالها قد يحولان دون التفكير به… ما أسعدني أنه التقاها قبل بضعة أعوام وقد تجاوزا الخمسين ولكل منهما ظروفه ومعاناته، وهذه المرة كان أكثر جرأة بعد أن قصّ عليها ما كان يشعر به تجاهها في ذلك الوقت.
الثالث أحبته أخت صديقه بشغف.. كانت جميلة… سمراء ليست من قوم عيسى.. صارحته بحبها لكنه امتنع بشدة لاعتقاده أن ذلك خيانة للزاد والملح… يومها قلت له: يا رجل الحب ليس عيباً ولا محرماً ولا يحسب خيانة.. علمتُ منه بعد ذلك أنه يبادلها الحب لكنه لم يخبرها بذلك، وظل متعلقاً بها عن بُعد… بالمقابل تعمدت أن تقيم علاقة مع غيره انتقاماً منه… ثم تزوجت غيرهما.
ثلاثتهم أتواصل معهم هذه الأيام عبر السوشيال ميديا ونقلّب صفحات تلك السنين.. نضحك غالباً ونتحسر أحياناً… ونبكي عند بعض المحطات وقد بقي من عمرنا أسوأ ربع فيه.. لكننا نقارن بين حب مراهقتنا بكل عفّته ومخاطراته ومعاناته وبين حب “هالوكت” إن بقي للحب أثر.