كهلان الحكيم؟

437

جمعة اللامي /

” الإنسانُ الغاضب، يتحول دمه إلى سَمّ”
( كونفوشيوس )

قصدتُ مجلس كهلان الحكيم بعد صلاة الجمعة، فوجدت عنده غريب المتروك، وشخصاً آخر لا يفارق بصره الأرض، حتى شُبّهَ لي أن الرجل يبكي . فتريثت قليلاً في دعوته إلى زيارة معرض للكتاب تنظمه المكتبة العامة بمدينتنا . أسرّني المتروك: ” صاحبنا هذا – وأشار إلى الرجل الباكي، لم يتمكن من حِلمه، فتمكَّن منه غضبه، ففلت لسانه وصَبَّ جام غضبه على كاتب في صومعة غير بعيدة من هنا”.
قلت: كان الله في عونه، فالغضب جنون مؤقت، كما يقول ” هوراس . شَدّ المتروك على يدي:
ــ ” وهكذا قال صاحبنا الحكيم للرجل “.
ــ ” هي حكاية جديرة بأن تُروى”.
ــ ” نعم .أول الغضب جنون، وآخره ندم “.
رأيت وجه كهلان الحكيم مستبشراً فعلمت كم قويٌّ صاحب الرأي القويم.
وكان الرجل لا يزال يحدق – مغمض العينين في الأرض، فعرفت أنه اتصل بأسفل درك في الندم، فاقتربت منه، وقلت مُهوناً الأمر عليه: ” لا تثريب عليك يا أخي، إنما أنت كاتب تشتغل في الحروف والأرقام، وهذه شغلة لا يستقيم الغضب معها، لأنه يتحول إلى حمق، والعياذ بالله”.
سمع كهلان الحكيم تعليقي، فتحدث كما يتحدث إلى نفسه:
– ” الغضب ريح تهبّ، فتطفئ سراج العقل . وفي أيام العرب الخوالي، كما في دهور غيرهم من الملل والنِحَل عِبرٌ فريدة في تأمّل حالة السفيه والغضبان، وتبصّر حالة الحكيم “.
أردتُ أن أطرح كلمة في هذا الصدد بين يدي صاحبي الحكيم، إلا أنه بادرني قائلاً :
ــ ” ما أحكمَ غاندي حين قال: “لا تقابلوا الغضب بالغضب، فكيف بنا مع السفهاء ! “.
والطامة الكبرى حين يغضب أحدنا من سفيه – حاشاكم من السَفهِ والسُفَهاء، والطامة التي ما بعد صاخّة أو طامّة، أن يَستجرَ سفيهٌ حليماً إلى غضبه، فعقوبة السفيه تركه لسفهه وجهله، كما كان حال ” ابن عبّاد ” في منزلته مع حالة رجل أحمق مهذار، كما تذكر مدونات أهلنا بالأندلس . وقال محمد بن الحارث الثعالبي: “وليس الذنب بحضرة الملك كالذنب بحضرة غيره . ولا الذنب بحضرة العالم، كالذنب بحضرة الجاهل”.
وسمعت كهلان الحكيم يقول: “غضبكَ من شتيمةِ توجّهُ إليكَ، يجعل الشتيمة كلاماً صحيحاً عنك “.
أبعدنا الله عن الغَضبى والحمقى والسفهاء !