لننتخبَ غدنا
نرمين المفتي/
مقولتان لابد من التوقف عندهما، الأولى لابن رشد (القرن السادس الهجري- الثاني عشر الميلادي) و هي “الاتجار بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكم في جاهل، عليك أن تُغلّف كل باطل بغلاف ديني.” والثانية لابن خلدون (القرن الثامن الهجري – القرن الرابع عشر الميلادي) و هي “الفتن التي تتخفي وراء قناع الدين تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات.”
إذن، وقبل قرون عدة، يشير مفكران مسلمان و عربيان الى استغلال الدين للتجهيل. في ذلك الوقت كان رجال الدين المسيحيون غالباً يقومون بمهام التجهيل (للحفاظ) على استمرارية التراجع الفكري للمجتمعات لأسباب عديدة من بينها استمرار تسلطهم على مقدرات تلك المجتمعات لمكتسبات مادية ودنيوية.
ولم يتحول الوضع هناك دون قراءة الأوروبيين للمفكرين للبدء بمشاريع بديلة، وكان ابن رشد وابن خلدون من المفضلين لديهم وما يزالان.
أتوقف عند المقولتين وكأن ابن رشد وابن خلدون يراقبان الوضع في العراق خاصة وفي الدول الإسلامية والعربية، وأقرأ بتروٍّ أسماء الأحزاب الـ ٢٠٨ التي سجلت عند المفوضية العليا للانتخابات (جملة اعتراضية: متعمدة لم أكتب في عنوانها المستقلة) وأجد أن عشرات الأحزاب (٣٨) حزباً يوجد في اسمه مصطلح (الوطني) ولا أقول صفة، لأن الوطني كصفة تفرض واجبات عدة لم نلمسها، وعشرات الأحزاب بأسماء فيها مصطلحات الإعمار وحب العراق والبناء ومحاربة الفساد وتطوير العراق !! أسماء تبدو كجمل ناقصة، وهناك ما يحمل مصطلح المدني والمدنية.. يتعاملون مع المصطلحات دون انتماء الى الصفة وكأنها أقنعة وجوه. تأتي هذه المصطلحات للواجهة، بعد ان انتهت مرحلة تغليف كل باطل بغلاف ديني، مع المصاعب التي واجهها الناخب، قررت الأحزاب أن تغير من أقنعتها لمعرفتها أن الانتخابات المزمع إجراؤها في أيار المقبل مصيرية للكتل والناخبين على حد سواء، وبالتالي يعتمد عليها الغد..
لابد للناخب أن يعي هذه الـ (مصيرية) على طول العراق وعرضه، لابد أن يتوقف الناخب عن منح الصوت بدافع ديني او إثني او مذهبي، لابد أن يمنح صوته لمن يفكر في غده وليس في مصلحته وكتلته فقط، أن يمنح صوته للجديد وليس لمن جرّبه لدورة او اثنتين ولم يسمع منه سوى كلمات منمّقة بصوت عال، كعربة قطار فارغة، أن يمنح صوته لمن لم يلجأ ألى تسقيط خصمه بالأكاذيب والشائعات. لننتخب غدنا، قد تكون هذه فرصتنا الأخيرة..