ليس مستحيلاً

660

#خليك_بالبيت

نرمين المفتي /

مع كل هزّة أخلاقية، أُحدثني بأننا كنّا موهومين بـ (عندنا قِيَم)، وإلا فإن بعض قيمة واحدة لكانت كفيلة بدرء بعض تصرفات تصدمنا يومياً..
كل الأنظمة التي حكمت العراق بعد تموز ١٩٥٨ لم تحاول أن تهتم بالشعب أو، لأستخدمَ مصطلحاً اجتماعياً وأعيد كتابة الجملة هكذا “لم تحاول أن تربّي الشعب”، ولاسيما أن ذلك الحدث – الثورة كان مشهداً مريراً بدمويّته وأساليب القتل والنهب، كان لابد من دراسة طبيعة المجتمع العراقي والأسباب التي أدت به إلى هذا التوحش والأنانية وسوء السلوك.
لكن الأنظمة التي انقلب بعضها على البعض الآخر لم تكن (ثورات) لأجل كرامة الشعب ووحدته ورفاهيته، إنما كانت لأجل مصلحة ما، طبقية أو حزبية أو أجندة خارجية. واستغل الذين حكموا العراق منذئذٍ، وحتى الآن، الخلل الذي يسود المجتمع ولم يحاولوا إصلاحه من خلال نظم تربوية حديثة، لا أقصد المدارس فقط، إنما تربية الشعب أيضاً، بمعنى الارتفاع بمستواه القِيمي ومستوى رفاهيته من خلال قوانين تُطبق وليست قوانين (حبر على ورق) فقط، والكارثة في إصدار آلاف القوانين ويحدث أحياناً أن يتناقض بعضها مع بعضها الآخر.
من وجعي أديننا، أقصد أدين الشعب، ولكن أراجع نفسي وأقول أن الشعب الذي سكت على شعار دموي تماماً مثل من وضعه، وهو (ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) و(واجه) البعض منه مرتكبي المجازر (ثلاث مجازر في سنة واحدة: مجزرة العائلة المالكة ومجزرتا الموصل وكركوك) بالتصفيق والهوسات، ما أوحى للحكام، مهما كانت توجهاتهم وعقائدهم، أن يتناسوا تربيته، تربية الشعب، وارتكاب أفعال تزيد من توحش البعض إلى أقصى درجة، مثلاً تعليق المعدومين في الساحات العامة و(حفلات) الإعدام رمياً بالرصاص في الملاعب التي كان (ينظمها) النظام السابق، فضلاً عن الحروب والحصار الذي قلب ميزان القيم العراقي لدرجة أصبح فيها المهرِّب من علية القوم لما حققه من أموال ووصولاً للوضع الذي نحن فيه.. لا أراجع التاريخ، إنما أطالب بدراسات علمية حقيقية تهدينا إلى علاج فعلي، كي لا نشاهد مرة أخرى حالة موجعة مثل الفتى حامد سعيد وإذلاله من قِبل أفراد واجبهم الاهتمام بأمنه ورفاهيته.
الشعب العراقي بتنوعه الإثني والديني والمذهبي معروف بطيبته وكرمه وغيرته، والحالات الشاذة بينه قليلة، وشعب لديه هذه الخصال بحاجة إلى من يهتم به، بمعنى أن يقلل نسبة الفقر ويدعم النظم التربوية والتعليمية، أن يلتفت إلى البنى التحتية التي تشكل خطوة مهمة نحو الرفاهية، أن يقرر في المناهج الدراسية دروساً عن المسامحة والاعتراف بالخطأ والاعتذار وحقوق الإنسان وغيرها من المتطلبات لتشعره بالانتماء ونسيان مشاهد الدم والعنف والإرهاب.
إن الشعب، أيّ شعب، حين يُترك وحيداً يصارع غالبية أفراده يومهم لأجل إدامة حياته، سيكون بينهم نماذج تسيء إلى كل العرف.. ما أقوله ليس صعباً أو خيالاً أو مستحيلاً، نستطيع أن نبدأ حالاً لو طُبقت القوانين.