ما بين (القصير) و(سوليدار).. كانت فاغنر

151

سرمد عباس الحسيني /

ها قد بدأ جليد الشتاء الروسي (بالذوبان) تحت وطأة نيران معارك (سوليدار) والتوجه نحو أطراف (باخموت)، بكل ما تحمله المدينة من معطيات ستراتيجية.
جاء ذلك بعد تباطؤ روسي في تحقيق أية نتائج عسكرية مهمة منذ أشهر، رغم محاولات الجيش الروسي تحقيق مكاسب ميدانية ملحوظة منذ انسحابه من (خيرسون).
إذ لا يعني تفسير التقدم العسكري الروسي الملحوظ ميدانياً إلا إلى معطيين مهمين: أولهما تمثَّل بانتظار (بوتين) وتعويله الكبير على (الجنرال جليد) بكل ما يحمله هذا الجنرال من تاريخ مشرِّف تجاه روسيا، قيصرية كانت أم جمهورية اتحادية، وما نموذجا نابليون وهتلر عن هذا الأمر ببعيدين.
والمعطى الثاني تمثّل بدخول (مجموعة فاغنر)، أو ما يسميها الإعلام الغربي (مليشيات فاغنر)، بعد النصف الثاني من تاريخ (العملية الخاصة) الروسية في أوكرانيا، بكل ما تحمله من عقيدة عسكرية، معتمدة على حرب العصابات، التي تختلف في طبيعية قتالها وتسليحها وحركة مقاتليها وتمرّسهم في حرب الشوارع والمدن بعمليات خاطفة وانسحابات سريعة محسوبة لإعادة الكرَّة، ومن ثم تحقيق نتائج، وفق ما نسمعها ونراها الآن.
وبغض النظر عن التوصيف الغربي لـ (فاغنر)، واتهامها بالمليشياتية والإرهاب ومحاولات شيطنتها، وهو الأمر الذي استغربه مؤسسها (بريغوجين)، متهماً في الوقت ذاته الإعلام الغربي والأميركي بأنه إعلام شعبوي مبتذل. وبالتالي، فإن هذا المعطى الثاني يحسب لـ(بوتين) الذي حسب لهذه الخطوة حسابها مبكراً، وهو الأمر الذي وعى درسه منذ أحداث سورية عام 2011 ومواجهتهم العصابات التكفيرية التي كانت تعتمد على حرب العصابات، التي لا يمكن لأي جيش نظامي مواجهة هذا النوع من الحرب، المختلف في سياقاته العقائدية والقتالية. لذلك كان تدخل (حزب الله)، بكل ما يحمله من خبرة ميدانية في حرب الشوارع والمدن، ما أوجد عامل توازن ميدانياً في المواجهة، تجلت نتائجه في (معركة القصير) بأعلى تجلياتها الميدانية والعسكرية.
استوعب بوتين النتائج وتأسست (فاغنر) وتدخلت بنطاق ضيق في القتال الدائر في ليبيا، في مواجهة الجماعات التكفيرية، ثم لتتدخل بعد ذاك في الحرب الروسية-الأوكرانية، ولتواجه (كتيبة آزوف) اليمينية المتطرفة التي تحمل فكراً نازياً جديداً، حسب التوصيف الروسي، التي لم تشيطنها الولايات المتحدة على الرغم من أنها لا تختلف في تكوينها وطريقة قتالها عن (فاغنر)، وهذا الضد النوعي ما بين (فاغنر) و(آزوف) هو الذي حقق النتائج التي كان يأملها بوتين، التي عجز جيشه عن تحقيقها منذ عدة أشهر، تجلت بسقوط (سوليدار) بكل ما تحملها أنفاقها الملحمية (التي تبلغ أطوالها حوالي 160 كيلومتراً) من أمان ستراتيجي لمن يستولي عليها، تشمل التخفي والتنقل السلس وصولاً إلى أطراف مدينة (باخموت) المؤدية بسقوطها إلى السيطرة على كامل إقليم الدونباس.. عاجلاً أم آجلاً.