مدينة الإله (انليل)
#خليك_بالبيت
يوسف المحمداوي /
وطن متخم بالأساطير وأنّى صوّبت نظرك تصبك فتنة ويمتلك دهشتك السحر، ومع هذا الجمال والتأريخ الموغل بالقدم تجد ما فيه مهملاً وعرضة للضياع والاندثار، في زمن ما أحوجنا فيه لتفعيل السياحة في البلاد.
في العدد السابق تكلّمنا عن بحيرة ساوة التابعة لمحافظة المثنى وكيف تعاني الإهمال رغم أسرارها العجيبة والغريبة، واليوم نتحدث عن مدينة هي جارة لتلك المحافظة؛ سواء بالتأريخ أو بالفقر الذي يعيشه أبناء محافظة الديوانية.
تعدّدت أسماء هذه المدينة الملتصقة بالقدم والقدسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر “نفّر، نيبرو، ودور غيمثا، أبيدو، أريدو”، لكن اسمها القديم هو (نيبور) شُيّدت المدينة على ضفة نهر الفرات الذي كان يشطرها إلى نصفين وتقع اليوم على بعد (10) كم من قضاء عفك التابع لمحافظة الديوانية.
اتخذت المدينة من قبل السومريين كعاصمة دينية لهم وبقيت كذلك لمختلف الحضارات الأخرى كأكد وآشور وبابل وما جعلها بهذه القدسية هو كونها مقرّاً للإله (انليل) وزوجته (نين ليل)، وكذلك مقرّاً للإله (آنو)، لذلك جعلها السومريون قبلتهم الدينية، وكان الإله (انليل) يطلق عليه سيد الأرض والسماء ومعبده في المدينة يطلق عليه (أي كور).
عثرت إحدى البعثات الامريكية على لوح أثري يمثّل رجلا سومريا يمارس كرة القدم وهذا اللوح يشير وبما لا يقبل اللبس إلى أن سكنة نيبور عرفوا كرة القدم في ذلك الزمن، وأكدت تلك البعثة أن في هذه المدينة أسّست أول مكتبة وأول صيدلية في التاريخ، وأسّست فيها مدارس التعليم باللغة السومرية، وعثرت البعثة على تقاويم للزراعة والري ومواسم الصيد وغيرها من الأمور التي أذهلت البعثات الأجنبية.
هذه المدينة التي شُيّدت في عهد الملك أور نمو قبل ستة آلاف سنة ويعود وجودها إلى زمن سلالة أور الثالثة التي عاشت في الفترة من 2112 الى 2004 قبل الميلاد لم يتبقَ منها سوى تلة الزقورة بارتفاع (15م) وبقايا سلالم كان يستخدمها السومريون لزيارة معبد الإله وتمثاله.
المدينة اليوم عبارة عن تلّة مهجورة غادرها سكنتها بعد انحسار مياه نهر الفرات، وأصبحت آثارها مقنيات مباحة للصوص من غير رادع أو رقيب، لو كانت هذه المدينة في أي بلد لوجدتها وسط مروج من الزهور لا وسط الرمال والأتربة كما هو حال مدينة الآلهة الآن، لا وجود لدار استراحة ولا فندق لاستقبال السائحين، التي لو التفتت اليها عقول المعنيين بضمائر نقية ونفوس صادقة لأصبحت قبلة سياحية ولساعدت مواطني تلك المحافظة الفقيرة ونهضت بواقعهم المعيشي البائس.
الخراب فقط تجده العنوان البارز لأقدم مدينة في التأريخ التي يشارك الشاعر لسان حالها الباكي بقوله:
فديتك إنني قد ذاب قلبي …. من الشكوى إلى قلب جماد