مريم.. موهبة عراقية
نرمين المفتي
مريم، طفلة عراقية عمرها 13 سنة، عرفتها منذ صغرها عنيدة في مواجهة أية مشكلة تواجهها، صحية كانت، دراسية، أو أخرى. في السادسة من عمرها أصابها مرض كان نادراً حينئذ، نوع مبكر من (فيروس كوفيد) الذي أصاب جهازها التنفسي وأفقدها -تقريباً- إحدى رئتيها، وأرغمها على البقاء 40 يوماً في المستشفى لوحدها تقريباً، إذ إن الأطباء منعوا عنها الزيارة أكثر من ساعة واحدة يومياً، ومنعوا أن يدخل غرفتها أكثر من شخص واحد. تأقلمت مع وضعها، وأصرت على أن تقرأ دروسها، وأن ترسم، بين عملية جراحية وأخرى، بعضها عمليات فوق الكبرى، وكانت تردد أنها مصرة على الشفاء وإن الله سبحانه معها، وطبعاً مهارة الأطباء..
وهكذا غادرت المستشفى، وأول مهمة لها كانت أن تؤدي امتحاناتها الخاصة بنصف السنة، وكانت حينها في الصف الأول الابتدائي، ومن ثم بدأت تكتب أولى قصصها القصيرة، باللغة الإنجليزية. وكنت اقرأ لها تلك القصص ونتناقش، وتتفق معي حول الأخطاء النحوية، لكنها أصرت على أن تحتفظ بأسلوبها الخاص بالكتابة، وبأفكار قصصها التي سبقت عمرها. استمرت تكتب وترسم وتتفوق في دروسها، وخططت لحلمها بأن تصبح طبيبة أطفال، فهي لن تنسى أبداً تعب الأطباء معها، وأيقنت أن مهمة الطبيب ليست في العلاج فقط، بل في التشجيع على مواجهة المرض أيضاً، وزراعة الأحلام.
وتصل مريم إلى أولى سنوات المراهقة، في دراستها المتوسطة، بدأت تطرح أسئلة أكبر من عمرها، الذي قطعاً لا يحتمل أجوبتها المعقدة. أصبحت الأسئلة تتعبها وتؤرقها، وتتعب الذين حولها. عرفت سبب تعبها وأرقها، وحاولت أن تنظر إلى الدنيا التي من حولها بمنظار آخر. وفي خضم أرقها كانت تردد أنها ستجد نفسها وستجد الراحة معها. بدأت تضع أسئلتها على أوراق، وجعلت من كل سؤال حالة وبحثت عن حل لها، ونجحت. وكان عدد الأوراق قد ارتفع، لتقرر أن تعيد قراءتها لمرات عدة، تضيف وتنقح، وأصبح كتابها الأول، الذي صممت غلافه بنفسها، جاهزاً للطبع، وسمته (How teens live a happy life). والكتاب، كما يبدو من عنوانه باللغة الإنجليزية، الذي يعني (كيف يعيش المراهقون حياة سعيدة)، وشاركت مع كتابها الأول في معرض الشارقة الدولي للكتاب، تشرين الثاني 2024.. وقدمها أبوها، القاص والكاتب ورسام الكاريكاتير (برهان المفتي) للقراء والمهتمين من خلال منشور على الفيسبوك قائلاً “الكتاب -بلغة خاصة للمراهقات والمراهقين- يقدم أساليب في كيفية جعل المراهَقة مرحلة جميلة، وكيف يواجه المراهقون التحديات والتغييرات السلوكية في هذه المرحلة الحساسة التي ستبني شخصياتهم. يسعدنا دعمكم، فهي موهبة عراقية في عالم الكتابة المتخصصة لفئة (المراهقات والمراهقين).”
وعاتبت مريم الإعلام العراقي الذي لم ينتبه إلى موهبتها، ولكيلا تصاب بخيبة أمل منذ أول كتاب لها، ها أنا أكتب عن ابنة شقيقي (مريم المفتي)، متمنية لها التوفيق والاستمرار على الإصرار والعناد، وصولاً إلى تحقيق أحلامها..