مسرح الرشيد ودار الأوبرا

575

#خليك_بالبيت

د. حسن عبد راضي /

عام 2003 تعرض مسرح الرشيد، شأنه شأن كثير من المؤسسات الحكومية، لعمليات نهب وتخريب تركته هيكلاً خاوياً على عروشه. والحق أن ذلك الأمر أيقظنا على حقيقة مرّة، وهي أننا رغم احتفائنا بالمسرح منذ وقت مبكر من القرن الماضي، ورغم ما يعرفه القاصي والداني عن تفوق المسرح العراقي الجاد ورصانته، إلا أننا لم نكن نملك مسارح حقيقية تتوفر على مقومات العرض المسرحي. فحين أُخرج مسرح الرشيد من الخدمة بفعل التخريب والنهب، لم يبق لدينا سوى المسرح الوطني الذي نجا بمعجزة، وتبين أن كل ما عدا ذلك هي إما قاعات احتفالات عادية (غير مُدرّجة) حُوّلت وكُيّفت فضاءاتها لتصبح شيئاً كالمسرح، أو قاعات سينما سابقة حوّلها كسادُ سوق السينما في سنوات الحصار (1990 – 2003) إلى مسارح، فهي مسارح بالقوة لا بالفعل.
ما ذكَّرني بهذه المسألة هو الحراك الذي تضطلع به دائرة السينما والمسرح، ويلقى التشجيع والمباركة والدعم من وزير الثقافة، لإعادة إعمار مسرح الرشيد وتأهيله ليعود إلى احتضان الأعمال المسرحية الكبيرة، ويسهم في تنشيط الجهد الثقافي الذي – يا للأسف- انحسرت فاعليته كثيراً طوال سنوات المحن التي لا تكاد تنقضي واحدة حتى تحل أخرى مكانها، الأمر الذي كانت له آثاره في تغليب النزعات العنفيّة في السلوك الاجتماعي العام.
ومثلما أحيي وزارة الثقافة اليوم لاهتمامها بهذا الأمر الذي أغفلته الوزارات السابقة، فإنني من هذا المنبر أود أن أنبّه إلى ضرورة البحث في مصير دار الأوبرا، ذلك الصرح الذي ظلت ثقافتنا مفتقرة إليه، ليس بالضرورة لفن الأوبرا نفسه الذي قد يقول قائل إنه ليس من ثقافتنا، ولكن لأن مثل هذا الصرح سيكون مناسباً للأوبرا ولأي نشاط مسرحي أو فني أو موسيقي كبير.
ويكفي أن نعلم أن أموالاً طائلة رُصدت لتشييده، لكن الغريب أنه ظل حبراً على ورق، وظلت الأرض المخصصة لتشييده خربة شاسعة مسوَّرة، لم تتنبه إليها أية حكومة سابقة، ولم يُحاسب على هدر الأموال المخصصة له أي مسؤول، ولا أحد يعلم السبب وراء ذلك حقاً، ولكن العرب قالت قديماً: “لأمرٍ ما جدَعَ قصيرٌ أنفَه”.
بقي أن أقول إن الأهمية الثقافية للمسرح والسينما والموسيقى تفوق ما قد نتصوره في تهذيب النفوس وتهدئة الطباع وإشاعة روح التسامح والتنوع واختلاف الآراء، ولولا ذلك ما أولتها الأمم، شرقيّها وغربيّها، تلك العناية، ولا خصصت لها الجوائز والمهرجانات، ولنتذكر أن مدراسنا وجامعاتنا، قبل أن يحوّلها الطاغية إلى مراكز احتجاز وتجنيد وتجسس، كانت تشتمل على مسارح مدرسية أو جامعية وأنشطة موسيقية وفنية متنوعة.

النسخة الألكترونية من العدد 363

“أون لآين -6-”