مشاهد ومراسل

785

نرمين المفتي/

مشاهد، منذ ان بدأت عمليات الموصل المنصورة باْذن الله، لا تغادر ذاكرتي. الأول حين تقدمت سيدة عراقية وبيدها رآية بيضاء، ومشاة الجيش يتقدمون، قام جندي (أخو خيته) بسحب الراية منها ورماها جانبا واحتضن رأسها وكأنها والدته واجهشا بالبكاء معا. والثاني أطفال بعمر الورد يتقدمون رافعين رايات بيض.. لا أدري لماذا يركز المصورون عليهم، بينما هناك صور لمنتسبي الجيش وهم يحتضنون الأطفال ويبذلون ما بوسعهم لتهدئة روعهم.. مسبقا اعرف إن أي مشهد حرب غير محتمل، لكن مشاهد الأطفال وجع حقيقي.. أطفال العراق بحاجة الى جهد كبير وقرار من أعلى المستويات ليتم الالتفات اليهم.. لابد من قرار أو قرارات خاصة بالأطفال، تختص ببرامج ومدارس ومستشفيات نفسية وورش عمل، تعيد لهم طفولتهم، تعيد اليهم احلامهم وتؤهلهم لحياة سوية.. انهم مستقبل العراق، و لابد من الاهتمام بهم.. هل من يسمعني؟

ومشهد صبي نازح يحمل وزتين بقوة وسيدة ترتدي السواد من قمة رأسها حتى قدميها وفي حقيبتها التي تحملها فوق كتفها، تظهر قطة بيضاء وكأنها تبتسم.

ومشهد طفلة لا يظهر منها سوى العينين ومثلها أفراد عائلتها الذين تغطيهم كميات من الرمل والتراب، وتروي لمراسل تلفزيوني كيف انهم هربوا الى الصحراء وصاروا بوسط عاصفة ترابية ويضيف الأب كي لا يكونوا دروعاً بشرية للظلاميين، وتعود الطفلة الى الحديث ووجه المراسل جامد دون أي تعبير ازاء كل هذا الألم.

ومشهد سيدة عراقية في كراج العلاوي- الشمالي، قالت بفرحة “ كأنها تحلم “وهي تسافر من هذا الكراج الذي أغلق طوال الفترة السابقة، “فرحة جبيرة وآني دا اسمع السواق ينادون الرمادي والفلوجة والخالدية وصلاح الدين و بيجي” و (اضافت) “يا الله يوم اللي اسمع نداء الموصل قريبا ان شاء الله”
و قال رجل مسافر الى الفلوجة “ يا الله ماكو بعد بزيبيز “..

وكم اتمنى ان يتم وضع نصب عند بزيبيز، لتعرف الأجيال ماذا تعني بزيبيز ولتأخذ العبر من تكرار أخطاء الطائفية وخطاياها.

هل كان علينا ان نتوجع الى هذا الحد، ان نجعل أجمل شباب العراق شهداء ابطالا رغما عنهم، لنتوصل اننا عراقيون فقط مع حبنا لقومياتنا وادياننا ومذاهبنا؟

صرخنا، تماما، صرخنا لسنوات ان الانتماء العراقي قبل كل شيء وأننا شعب واحد ولسنا مكونات.. ولكن!!

سيلعن التاريخ والعراقيون الكتل السياسية الطائفية وكل الذين وافقوا على أوامر الحاكم بأمر بوش في العراق، بريمر، الذي أسس مجلس الحكم سيء الصيت على أساس المحاصصة.

وسيلعن التاريخ والعراقيون كل الذين وافقوا على ان يكون العراق الجبهة الأمامية لمحاربة الارهاب، ليمنح اجمل شبابه دماءهم لأمان دول ترفض حتى اعطاء فيزا سياحية للعراقيين.
يا عراق، ان الآوان لتعود وطناً وليس بلداً.

وآن الآوان، باذن الله، ان نبدأ نعيش الحياة ولا نحياها فقط..