مظفر النواب.. مختلف

610

د. علي الشلاه/

يحصل أن يصبح شخص ما إستثنائياً ويملك سمات لا يدركها الآخرون أو لا يدركون بعضها، ومثلما يؤثر الزعماء السياسيون وبعض الطغاة على مصائر أمم وشعوب، فإن لبعض الأدباء والفنانين أثرهم في تغيير جوهر الأمم والشعوب.

وفي تاريخ العراق الحديث كان الجواهري من أكثر الشخصيات التي انعشت الذاكرة العراقية، وصار مثل سلفه المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس ولم يحتل منزلته شاعر أو مثقف آخر، إلا أنّ هناك شاعراً آخر قارب الوجدان العراقي واقترب منه بعمق وشفافية، وإن كانت سماته ولغته ذات خصوصية أخرى وزاوجت بين العامية والفصحى وحملت سمات المعارضة الصارخة للأنظمة الشمولية عراقياً وعربياً وعالمياً، مظفر النواب كان ثاني المعادلة الجواهرية وأن اختلف عنها وتحول إلى جيفارا عراقي يجوب البلدان ويغني الفقراء ويغني لهم ويغنيهم ويثورهم ويثور عليهم.

ومن الجميل أن مظفر النواب صار رمز ذلك كله لدى العرب جميعاً، حتى أنه طغى على الشعراء الفلسطينيين لدى الفلسطينيين أنفسهم، وصارت أمسيات مظفر النواب الشعرية في دمشق تتفوق على أمسيات الشاعر الفلسطيني الراحل الكبير محمود درويش وفي مخيم اليرموك معقل الفلسطينيين، والأجمل من ذلك أن مواطني دول الخليج العربي صاروا يحفظون قصائده عن ظهر قلب، وإن كانت تنال من زعاماتهم السياسية، بل أن الزعامات السياسية الخليجية نفسها صارت تحفظه عن ظهر قلب.

تعرفت إلى أبي عادل في مقهى الروضة بدمشق أواخر التسعينات، بعدما حفظته شاعراً في أوائل العمر وتوطدت علاقتنا عندما دعوته لأمسية في سويسرا حين قضينا أسبوعاً جميلاً مع ذكرياته، والأروع في كل ذلك ما فعله السفير السويسري في دمشق “مارتن آيشنباخر” عام 2002م عندما أرسلنا له دعوة الشاعر الكبير مظفر النواب للحصول على الفيزا، وقلت له هاتفياً أننا ندعو مظفر النواب وهو لا يمتلك جواز سفر عراقي ولديه جواز ليبي باسم آخر (إبراهيم الطيب) لم يعترض السفير ورحب بمظفر حين جاءه وشرب معه فنجان قهوة واستأذنه بأخذ صورة معه واعطاه الفيزا بخمس دقائق.

ليتنا نعرف قيمة رموزنا الثقافية ولا نروج شائعات عن وفاتهم، وإذا كنا غير قادرين على أن نقدم لهم شيئاً فلا أقل من أن ندعو لهم بطول العمر وتمام العافية.

مظفر النواب عراقي كبير لأنه عراقي مختلف.