مكتبة مرسيليا.. انتقام ولو بعد حين
رئيس التحرير سرمد عباس الحسيني/
يقول كارل ماركس: (التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى كتراجيديا، وفي المرة الثانية كمهزلة، والذي لا يعرف التاريخ.. محكوم عليه بتكراره).
المتتبّع للأحداث التاريخية، او حتى الحالية منها، يجد أنّها تتكرّر بشكل عجيب، رغم مرورنا بمأساتها التراجيدية الأولى، فما بالك لو استطاع المسيطر على خيوط (الدولة العميقة) حذف أحداث مهمة من التاريخ الإنساني، جاعلاً من (المهزلة) أمراً واقعاً بلا مأساة!!
(الدولة العميقة) مصطلح تكرّر كثيراً في وسائل الإعلام هذه الأيام، وبالأخص على لسان (دونالد ترامب) الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق وأحد المرشحين الحاليين لانتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة، الذي ما فتئ يذكر هذا المصطلح جهاراً نهاراً، واعداً جماهيره والعالم برغبته وتصميمه بالقضاء عليها، ومحاربة خططها المرتبطة بالمليار الذهبي ونشر الشذوذ وشذوذ الأطفال، وافتعال الحروب، وعن رغبته في إيقاف حرب أوكرانيا خلال أربع وعشرين ساعة.. فهل سيسمح له؟!
واذا ما آمنا بنظرية المؤامرة، واستمعنا الى صوت (تاكر كارلسون) -الذي بُحّ- باعتقاده أن تهم (ترامب) القضائية، هي عقاب جرأته على (فتح فمه).
فالحر.. تكفيه الإشارة، ولا دخان نتائج من غير نار المؤامرات، ومن لا ينظر من غربال الأحداث وتحليل معطياتها.. عليه بـ(مصباح ديوجين)، وعلينا تتبع الأحداث التي رافقت الاحتجاجات الشعبية الفرنسية المستمرة الى حد كتابة هذه السطور التي كانت (تنتظر) شرارة القدح المُبيَّت او العفوي.. وكانت بمقتل القاصر الفرنسي/الجزائري (نائل) أو (بوعزيزي فرنسا)، في تكرار مشهد تاريخي عجيب.
وكعادة أية ثورات ملونة، تكتسب شرعية مفاعيل الحدث، وتنتهي بلا شرعية أحداثها من سلب ونهب و(حواسم) وقنص من أسطح البنايات.. وحرق مكتبة مرسيليا كحدث أبرز!!
حرق مكتبة مرسيليا هو تغريد غريب وهجين خارج سرب الأحداث، إذ ما علاقة المكتبة بمقتل (نائل)؟!، أو بالضغط الاقتصادي الهائل الذي أنهك كاهل الفرنسيين والأوروبيين بفعل تبعات حرب أوكرانيا؟!
أن تلمُّس طريق فهم سرّ علاقة حرق المكتبة بأحداث الاحتجاجات، يستوجب السير (بهيدة) في طريق ينيره (مصباح ديوجين)، وتسليط ضوء بصيرته تجاه خبايا (نظرية المؤامرة).
إن هذه النظرية التي يرى مروّجوها – بلا تبنٍ منا – أنَّ حادثة الحرق مرتبطة بما تحويه من وثائق ومخطوطات تعود الى حقبة الملك الفرنسي (فيليب الرابع1268-1314)، الذي أنهى الظهور العلني لجماعة (فرسان الهيكل) بمباركة من البابا (كليمنت الخامس1264-1314)، وذلك عندما قُبِض على الأستاذ الأعظم الثاني والعشرين ، الزعيم الأخير لجماعة (فرسان الهيكل) (جاك دي مولاي1244-1314) في 13 تشرين الاول1307، وتوجيه اتهامات شنيعة له أوجبت حرقه في ساحة عامة في 18 آذار 1314؛ أهمها كانت إهانته السيد المسيح وأمه العذراء، وحرق الإنجيل في أماكن عامة، وازدراء الرموز الدينية.. (وهذا ما يتكرّر هذه الأيام.. هل هي مصادفة؟!)، وقيامه وجماعته بجرائم وسلوكيات لا أخلاقية، تراوحت ما بين القيام بأفعال (قوم لوط) والترويج لجنس الأطفال والشذوذ والحثّ على نشرها مجتمعياً.. (وهذا ما يتكرّر فعله هذه الأيام.. هل هي مصادفة؟!)، وإقامة طقوس وثنية لعبادة الشيطان والسجود لـ(بافوميت) (وهو أمرٌ مقبل من خلال الترويج لظهور الأعور الدجّال وممهده السفياني.. قريباً حسب معتقدي نظرية المؤامرة).
ما ذكر من اتهامات لـ(دي مولاي) كان موثَّقاً ومحفوظاً كمخطوطات في مكتبة مرسيليا التي أحرقت قبل أيام، ليختفي بعدها فصلٌ مهمٌّ من التاريخ الإنساني، كما اختفت الآثار من المتاحف العراقية، المتعلّقة بفترة زمنية لجماعة معينة عاشت في العراق فترة من الزمن، بعد أحداث 2003 وما رافقتها من فوضى وتخريب.
بالمناسبة.. وقبل أن أختم ما بدأت، لا يفوتني أن أذكر (نقلاً عن مروّجي نظرية المؤامرة ودولتها العميقة) التي أنقل (كفرها بلا اعتقاد الكافر)، أن الوثائق الخاصة بـ(البابا كليمنت الخامس) المرتبطة بوثائق (فيليب الرابع) قد فقدت حرقاً، وذرت رماداً بحادثة احتراق كنيسة (روتردام) التاريخية، في 15 نيسان 2019!! (هل هي مصادفة؟!!).
ولتتحقّق بعد ذلك حقائق جديدة من مقولات الجنرال الامريكي التنويري المثير للجدل (البرت بايك 1809-1891) الذي تنبَّأ بتفاصيل الحربين العالميتين، وصعود الشيوعية في الأولى، ونهاية النازية في الثانية، وقيام (اسرائيل) بعدها، ومتنبئاً بحتمية الصراع العربي الإسلامي مع الصهيونية السياسية، يدمر فيها بعضهما بعضاً، وليتنبَّأ بعدها بحرب عالمية ثالثة قد تكون قريبة.
ليؤكد (بايك) بعد ذلك، (حتمية الانتقام من كل من عادى (فرسان الهيكل) واتباعهم وخططهم.. ولو بعد حين)… والله أعلم..