من أحسن تقويم الى أسفل سافلين!
عامر بدر حسون/
شاهدت قبل فترة حلقة من برنامج تلفزيوني الماني، يتجول فيه المذيع في الشارع ويستوقف المارة ليقرأ عليهم نصوصا دينية، ويسألهم:
في اي كتاب ديني وردت هذه الأقوال؟
النصوص التي اختارها المذيع، كانت تحث على قتل الآخر، المختلف، غير المؤمن، وسبيه والتمثيل بجثته لانه من الكفار. وكانت تحث ايضا على عبودية المرأة عبودية مطلقة للرجل.
اغلب الردود قالت انها نصوص وردت في القرآن!
لكن المذيع فاجأ الجميع بالقول انها نصوص من الكتاب المقدس! ولا نص فيها على الاطلاق من القرآن!
***
طبعا هذا اسمه شغل تلفزيون حقيقي، شغل يطارد الأفكار الشائعة ويفضحها ويفضح الظلم الذي تلحقه بالآخرين، وهو يحطم الصورة النمطية المرسومة للمسلمين عند الجمهور في الشارع الاوروبي. وهو مخالف لبرامجنا التلفزيونية وثقافتنا التي تنطلق من صورة نمطية للآخر، فتضفي عليه ما تشاء من الصفات السيئة، وتحتفظ بالصفات الجيدة لنا نحن فقط. فنقضي حياتنا سعداء نلوك الأوهام والكلام الفارغ الذي تكتبه ثقافتنا.
***
جميع الأديان مرت بمراحل تشبه ببداياتها تماما ما جاء في الآية الكريمة:
“لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم” (سورة التين4) وانتهت على يد المؤسسات الدينية الى “ثم رددناه اسفل سافلين” (التين5).
لقد ولد اليهودي والمسيحي وأهل الاديان وكل البشر في “احسن تقويم” ثم حولتهم المؤسسة الدينية، باغراضها الدنيوية، الى “اسفل سافلين” ودفعتهم لحمل السيف وقتل الآخر، المختلف، الكافر، الذي لا يشبه مواصفات المؤسسة.. ولهذا كانت اكثر الحروب شناعة وقسوة عبر التاريخ هي الحروب الدينية، وان لم تتوفر فرصة الحرب مع “الكافر” كانت هناك الحرب الطائفية داخل الدين الواحد. والتاريخ المسيحي مليء بهذا النوع من الدماء الذي اسالته المؤسسة الدينية خلافا لدين المسيح الذي يدعو للمحبة والتسامح والسلام.
وقد تخلصت المسيحية، على سبيل المثال، من نصوص القتل التي اشاعتها المؤسسة الدينية – الدنيوية (فكل مؤسسة دينية هي مؤسسة دنيوية لانها تعمل بقوانين الربح والخسارة والهزيمة والنصر). ولم تعد تجد نصا في المسيحية يشكل تهديدا للبشر بالسيف بعد ان تم تجاهل أو شطب نصوص القتل التي رسختها المؤسسة الدينية. وصورة المسيحيين اليوم في العراق وفي البلاد العربية هي صورة الضحية الذي يحاول اتقاء القتل والتدمير من قبل الآخر، لا صورة من يحمل السلاح لفرض ارادته.
والظاهر ان المؤسسة الدينية الاسلامية الحديثة ورثت تلك الصورة القديمة بحذافيرها، ودفعت الجمهور في البرنامج التلفزيوني للاعتقاد، دون تردد، ان نصوص القتل والتدمير هي من القرآن!
ولعل المؤسسة الاسلامية الأخطر في يومنا هذا هي مؤسسة داعش. واخطر ما في هذه المؤسسة انها تملك فكرتها، هي، عن الدين وتملك ايضا القدرة على تطبيقها بالسلاح.
هي لم تعد بحاجة الى الدين كما جاء في القرآن الكريم، فقد توفرت لها عبر التاريخ نصوص واجتهادات ومقولات تبرر لها فعل كل شيء بالآخر.. نصوص ومفاهيم ورثتها من وحشية الانسان وليس من اي مصدر آخر.
***
المؤسسة الاسلامية الحديثة (وهي هنا داعش ومؤسسات التكفير) اعتمدت نصوص مؤسسات دينية “عدوة” سابقة للاسلام، واعطتها صورة الاسلام. ولامرجع لها في الواقع سوى تلك النصوص التدميرية التي جاء الاسلام لوضع حد لها أو تقويمها أو لجمها.
هل عرفت الان الدورة الخطيرة التي تطلبها تحويل من خلق في احسن تقويم الى اسفل سافلين؟
حين تريد ان تصبح قاتلا لن تجد ما يدعمك سوى قوانين وحجج القتلة عبر التاريخ.