من أين لك هذا؟
نرمين المفتي/
في سنوات الحصار القاسية حين بدأت القطط تلتهم الحشيش الجاف، انتشرت نكتة سوداء تقول ان ذئبا جائعا مر بقطيع اغنام يحرسها كلب بدا بصحة جيدة، توقف الذئب وسأل الكلب من أين يأتي بالطعام ليبدو بوافر الصحة ومرتاح البال؟ وكان جواب الكلب بأنه يحرس القطيع ويكافئه صاحبه بفخذ لحم لثلاث وجبات يوميا.. وقال للذئب بأنه تناول وجبتي الفطور والغذاء لذلك اليوم وانه مستعد ان يتبرع له بوجبة العشاء.. تساءل الذئب كيف؟ وقال الكلب بأنه مشتاق للمدينة وستكون وجبته الأخيرة له ان وافق ان يحرس قطيع الغنم. تردد الذئب وقال بأنه يخشى ان يقتله الراعي ان شاهده، وطمأنه الكلب قائلا بأنه سيكتب رسالة للراعي يؤكد فيها أمانة الذئب وحاجته الى الطعام وطالبه بأن يحتفظ بالرسالة وان يعطيها للراعي حين يأتي وقت العشاء. واقتنع الذئب، وما ان ابتعد الكلب قليلا، جاء الراعي ورأى الذئب ووجه اليه بندقيته، وبدأ الذئب يصرخ ان يقرأ الرسالة، لكنه لم يفعل وبدأ يصيح الكلب الذي كان جوابه “منو يقرا.. منو يكتب”..
اتذكر هذه النكتة السوداء كلما سألني قارئ “ ست معقول لا يوجد من يقرأ ما تكتبونه على ما يجري في البلد، الفساد خاصة ؟ “، وأنا أو غيري ممن يكتبون لا نملك جوابا.. و يبدو لي ان مقولة “ منو يقرا و منو يكتب “، حقيقة. اذ ليس من المعقول ان يطالب مسؤول أو نائب بسن قانون (من أين لك هذا؟)، بينما ان القانون المطالب به قد تم سنه في سنة 1938، بدليل ان مجلس النواب العراقي في 1954 حين مناقشته للموقع (الشاكرية) الذي سيتم تشييد الجسر المعلق قربه بحضور رئيس الوزراء نوري السعيد، طالبه النائب عمر نظمي بالاستقالة قبيل المناقشة وبعد وعد الاستقالة، قال النائب بأن احد وزراء حكومته ( ضياء جعفر) اشترى اراضي الشاكرية بسعر 50 فلسا للمتر المربع وقرر تشييد الجسر في هذا الموقع ليربط الشاكرية بالكرادة وارتفع سعر المتر المربع من الأرض الى دينار ونصف الدينار واضاف النائب بأن قانون (من أين لك هذا) قد سن قبل 16 سنة ولم يطبق.. بالفعل لم يشيد الجسر الا بعد 1958. ولم يصدر قانون يلغي القانون الموجود أو يوقف العمل، انما جرى تعديله في 1959 وتمت اضافة مناصب دنيا الى القائمة ومن بينها مسؤول شعبة. القانون موجود ونافذ حتى الان، قد يحتاج الى تعديل، وهناك تعديلات نوقشت في 1996 ولكن استمر القانون دون ان يطبق.. لم يكن العراق بحاجة قصوى كما اليوم الى تنفيذ هذا القانون، خاصة مع استمرار الحرائق التي تستهدف القضاء على وثائق الفساد.