من غشنا…

785

د. كريم شغيدل/

حكايات وأقوال كثيرة نتداولها عن الامتحانات الدراسية والغش فيها، لعل أشهرها مقولة نابليون بونابرت بأن مواجهة أقوى جيوش العالم أهون عليه من لحظة خوف في الامتحان. ومن ألطف ما سمعت عن حالات الغش يقال إن جنديين في صنف المخابرة دخلا امتحاناً خارجياً وقد وظفا شفرة مورس للأجهزة اللاسلكية بالنقر على الرحلة في تبادل الإجابات، ومن سوء حظهما أن مدير المركز الامتحاني كان أيضاً في صنف المخابرة أيام خدمته في الجيش، فاكتشف الأمر أثناء تجواله بين القاعات، ربما حدث هذا في ستينات القرن المنصرم في بغداد، وقيل إن باحثاً أكاديمياً من أوروبا الشرقية قدم أطروحة توصل خلالها إلى أن تفشي الغش في امتحانات الثانوية العامة في مصر يعد سبباً رئيساً لهزيمتها أمام الكيان الصهيوني، فالطالب الذي يغش في الامتحان سيكون مستعداً للغش في واجبه العسكري أو في وظيفته العامة، ويقال إن المصريين صحوا في أحد الأيام على صوت الإذاعة الإسرائيلية وهي تذيع أسئلة امتحان البكلوريا صباحاً قبل توجه الطلبة إلى المراكز الامتحانية.

حين كنا صغاراً نسمع بأن طالباً ذكياً ومتفوقاً يدعى لوريا قد واجه صعوبة في أحد الامتحانات فبكى بكاء مراً حتى أشفق عليه أساتذته، ثم اتصلوا بالجهات المسؤولة فاستحدثوا الامتحانات العامة (البكالوريا) إكراماً له، يا له من خيال يشبه مقولة إن شكسبير هو شيخ زبير، ولطالما مازحنا معلمينا حين يرددون(من غشنا ليس منا) بقولنا (من راقب الناس مات همّاً) ويا له من خوف مشروع كان يحفزنا لاجتياز الامتحانات، نحن الذين كنا نقرأ على ضوء مصابيح الأعمدة الكهربائية في الشوارع والحدائق العامة لرداءة ضوء المصابيح الصفراء في بيوتنا التي كانت عبارة عن غرفة واحدة يزدحم فيها أفراد العائلة الجد والجدة والأب والأم والأبناء.

أنا شخصياً من خلال عملي في التربية والتعليم واجهت مواقف ومشاكل عديدة أثناء وقوفي مراقباً في الامتحانات، ذلك أن موضوع الغش يشكل جزءاً من المنظومة الأخلاقية للطالب والمعلم، ربما شهدت حقبة التسعينات انتشاراً أوسع لظاهرة الغش حتى طالت الدراسات العليا، إذ تخصص البعض بكتابة الرسائل والأطاريح والبحوث بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، وتفاقمت أكثر بعد سقوط النظام حتى بلغت أعلى مستويات الغش والتزوير، وهذا ما يجعل البعض يبرر لمن يغش ويزور بذريعة إن السمكة متعفنة من رأسها.

مقولة نسبت للمرحوم نوري السعيد كما نسبت لتشرشل ولهتلر، حين قال أحد الوزراء بأن الفساد ينخر الدولة فقيل له طالما أن الفساد لم يصل للمعارف فالبلد بخير، وهي رسالة للطلبة والمعلمين بمختلف المستويات ولأولياء الأمور والجهات المسؤولة: أنقذوا البلد من ظاهرة الغش التي ستخلق لنا أجيالاً فاسدة تزيد الطين بلّة كما يقال.