من فَضلة قلوبنا يتكلّم الحجرُ

304

جمعة اللامي /

والله! لا أنسَ حبيّ الدهرَ ما سجعتْ
حمامةً، او بَكى طيرٌ على فَنَنِ
(شاعرة عربية مجهولة)

صدق من قال: “من فضلة القلب يتكلم اللسان”، إنساناً كانَ، أو حيواناً أعجم، أو حجراً من صوان. فالقلب منجم البصر، وبيت العقل، بينما اللسان مظهر، أو هو الربع الظاهر للعيان من جبل الثلج، حسب تعبير الكاتب الأمريكي همنغواي. وكان همنغواي يتبع قلبه حين يَخجلُ مثل دبّ شرس هرب من قفصه ذات يوم، أو حين احتبس عن الكتابة وانقطع عن الناس في آخر أيام حياته، بعدما قالت له نياط قلبه: يا ارنست.. إن عملاء المباحث الفدرالية يطلقون عيونهم وكلابهم في أثرك!
والقلب معدن الحُبّ والشجاعة. وكان همنغواي محباً كبيراً وشجاعاً فذاً، وهو اطّلع على شجاعة الإسبان عندما كانوا يحاربون الدكتاتورية المبغوضة، أو حين يصارع شبانهم الثيران في الحلبات والشوارع، وكأنهم يتآلفون مع الموت، ويتخذون منه صديقاً وخدناً. لكن همنغواي لم يتعمق في تاريخ الآداب والفنون العربية في اسبانيا، وبجواهر ما كتبه العرب حول الحب والشجاعة، ولعلّه لم يُحط علماً بموسوعة العلامة داود بن عمر الأنطاكي حول الحب والعشاق العرب..
ومن هذه الأسماء العربية: لؤي بن غالب القرشيّ، الذي نَحَرَ لضيوفه ذات يوم، مائة من الإبل، فعاتبه أخٌ له على تبذيره، فكبر عليه ذلك، وترك أهله، وحطّ رحاله عند رجل من الأزد، فوقعت زوجة الأزدي في حبّ لؤي لما سمعت من كرمه. تَأبَّت نفسُ الأزدي لما رأى من زوجته، وأخذ يترصدها، فشاهد القرشي يفرغ من مِسْواكِهِ، فأخذته المرأة تمتصّ من لعاب معشوقها، فعزم الأزدي على قتله، وقدم له كأس لبنٍ بِسَمٍّ، لكن زوجة الأزدي غَمزَتهُ، فعافه وترك خيام القوم. وبينما هو في فلاة، عطفت ناقته على عرفجة تُفضّلها الإبل، فأكلت منها شيئاً، وكانت حيّة سامّة تهجع في ظلها، فبرزت إلى لؤي وضربته فأماتته في الحال.
وبلغ الأزديّة مصير لُؤَي – يقول الأنطاكي، فلم تزل تبكيه حتى ماتت.
وهذه حكاية يمكن أن تعدّ تعليقاً يسيراً على متون أدبية كثيرة في حياة العشاق العرب، الذين تفضحهم عيونهم، أو تتكلم ألسنتهم بفضلة قلوبهم. ومن حق كثير من العشاق العرب أن يقولوا عن مواقف “الأعراب”، في هذه الأيام: من فضلة قلوبنا تتكلم الحجارة!