من يعالج مهدي؟

806

نرمين المفتي /

كان سليم جولاغ من تلعفر، خال مهدي احمد جميل، مشغولا بأمرين اثناء معارك الباغوز، يراقب النشرات الإخبارية على الفضائيات وصفحات الفيسبوك، بعد ان بدأت قوات (قسد) ببث صور الاطفال العراقيين الذين اختطفتهم داعش الظلامية في 2014 بعد احتلالها محافظة نينوى وكان عدد من الاطفال الإيزيديين قد تم التعرف عليهم وعادوا الى الوطن.
شاهد سليم ابن اخته “مهدي” بين عشرات الاطفال المحررين على صفحات الفيسبوك، في 12 اذار ذهب مع الكثير من عوائل المختطفين الى الحدود العراقية – السورية، ليتسلم “مهدي” الذي لم يتمكن من التعرف على خاله كما نسي التحدث بلغته الام (التركمانية) ويتحدث اللغة العربية بلهجة اهل الشام.
في البيت، تعرف مهدي على شقيقته (آية) التي كانت بطلة الفيلم الوثائقي (دموع الملائكة) الذي انتجته شبكة الاعلام العراقي عنها عام 2014، (آية)الطفلة التركمانية النازحة مع عمها واخرين من تلعفر الى كربلاء، بعد ان فقدت جميع افراد عائلتها كما تعرف “مهدي” على احد أعمامه.
كان “مهدي” ذو التسع سنوات وشقيقه جميل ذو الخمس سنوات يسيران مع شقيقاتهما ووالديهما الى لا اين، وكل ما يتذكره “مهدي” ان والده “الذي سأل العم عنه” كان قد قتل امامهم ومن ثم قتلت والدته، وتمكن من تهريب شقيقاته عدا (آية) الى مكان آمن، وهو يبحث عن مخبأ له ولجميل، اختطفهما داعش .. وصل مهدي الذي بدا خائفاً من الجميع، جائعاً، باكياً، متسائلاً عن جميل، اخيه الذي عاد ليجلب كسرة خبز كان قد خبأها، حينذاك قامت عناصر داعش بهجوم مباغت فافترق عن شقيقه.
طوال السنوات التي أمضاها في الخطف، تم تدريبه على استخدام الكلاشينكوف والمسدس و(محاضرات) دينية متطرفة، وكان طعامهم صحن شوربة عدس وكسرة خبز وقليلا من الشاي دون سكر ليوم بأكمله، وحين صبوا له الشاي في بيت عمه، شاهد السكر وتذوقه واستنكر ان يضعوا (الحلاوة) مع الشاي!
يقضي “مهدي” غالبية ساعاته ساكتا بعينين تنظران الى الفراغ وتمتلئان دموعا وصورة قتل والديه لا تفارقه كما لم تفارقه صور التعذيب الذي تعرض اليه هو وغيره من الاطفال لسبب او لآخر، وما يزال ظهره يحمل اثار ذلك التعذيب، وان كان “مهدي” استمر متذكرا اسمه الثلاثي، فإن المئات غيره نسوا حتى اسماءهم.
مع كتابة هذا المقال، اتصل الخال “سليم” قائلا بأنهم عثروا على جميل، هو في مستشفى قريب من الباغوز مع عشرات الاطفال المختطفين الذين جرحوا في القصف الجوي، خبر جعل مهدي يبتسم للمرة الاولى، ربما منذ ٢٠١٤.
مهدي و١٥ طفلا آخرين فقط من بين مئات المختطفين من اطفال تلعفر عادوا لحد الان، بينما تلاشى الامل بعودة ٤٥٢ امرأة مختطفة من تلعفر، اذ تأكد من خلال المصادر أنهن قتلن، ومهما كان مصيرهن ومصير الاطفال الاخرين، فإن غصّة تستمر لدى عوائلهم انهم لم يصبحوا قضية رأي عام رغم كل ما تعرضوا اليه ومدينتهم تلعفر.
مهدي وغيره من الاطفال العائدين من تلعفر وسنجار وغيرهما، بحاجة الى جهود كبيرة لعلاجهم نفسيا ليسترجعوا انفسهم وحياتهم، من سيعالجهم ؟ اتمنى ان لا يستمر سؤالي دون جواب.