ميثم راضي.. المعلّقة النثرية

18

أحمد سعداوي

منذ الظهور الأول لنصوص ميثم راضي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أكثر من عقد، وهو يفرض موهبته ويثير انتباه المتابعين. وكنت أشعر، على المستوى الشخصي، بتشابه المسارات، فكلانا يشتغل في مجالات ابداعية عدّة، أبرزها الرسم والكتابة الشعرية. ونصوص ميثم متداخلة مع رسومه، كما أنها تتكئ على طاقة سردية واضحة.
بنصوص قصيرة، أو متوسّطة الطول، يحكي لنا ميثم حكاية، بلغة مقتصدة مكثّفة، فيها خيال مجنّح، وتصوير غرائبي، وتتجه نصوصه إلى غايات انفعالية وعاطفية، وليست مجرد تجريدات غير منتجة.
بدأ ميثم الكتابة ومزاولة الرسم منذ وقت بعيد، لكنه، على خلاف التيار العام الذي يغري بالتسرّع والاستعجال، انكبّ على تجربته، يطوّرها بهدوء، ولم ينجذب إلى حاجات الحضور والانتشار السريع. من ذلك أنه يغيب طويلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يشارك في (التريندات) التي تهبّ بين حين وآخر على عالم السوشيل ميديا العراقي.
هذا (الاقتصاد) في الحضور جعل طاقته موجّهة إلى نصوصه، وهي التي تتكفّل بتقديمه إلى الآخرين، وهذا المسار، للأسف، لم يعد هو المهيمن الثقافي السائد، فأعراف عصر الصورة والاتصال تتطلب من المبدع أن يكون مرافقاً لنصوصه، ليشكّلا معاً وحدة (بصرية) أمام المتلقّي. بينما ميثم ينسج على منوال جيلنا الأدبي والثقافي والأجيال السابقة؛ فالكاتب ليس مهمّاً بإزاء نصّه، وميثم على هذا المنوال (يهدم بيته الشخصي لبناء بيت القصيدة) كما يقول الوصف الشائع.
من كلّ ذلك لم يكن مفاجئاً أن يفوز ميثم راضي بالجائزة الأولى لمسابقة (المعلّقة) في فرع قصيدة النثر، إذ جاءت قصائده على منصّة القراءة طازجة ونابضة بالحياة، تحمل آثاراً من محن ودراما العقدين الأخيرين في العراق، وتفتح لقصيدة النثر العراقية مساحة في التلقي الشفاهي، وأنها لا تقف عند حدود التجريد والتجريب اللغوي.
في موقع (الجودريدز) على صفحة كتابه الشعري الوحيد المنشور له (كلمات رديئة) تعلّق قارئة: ليت كلّ الكلمات رديئة هكذا!
بينما تكتب الروائية الكويتية بثينة العيسى: مرّت سنوات.. على آخر مرة قرأت فيها شعرًا صافيًا ونافذًا هكذا.
يتبرّع قارئ لتسجيل قصائد لميثم ويرفعها على يوتيوب، ويقوم مخرج بإعداد فيلم عن قصيدة أخرى له، ويتداول الكثير من القرّاء في العراق والعالم العربي نسخاً مقرصنة من ديوانه الشعري، وكلّ ذلك من دون جهد من ميثم نفسه بالترويج والدعاية، أو التعكّز على العلاقات الاجتماعية. إنها من نتائج المحرّك النفّاث للقصيدة نفسها، ولعلّ هذا هو أكبر مديح يستحصله الأدب.
مبارك لميثم فوزه بجائزة المعلّقة، وهي استحقاق لجهده الإبداعي المميّز، ومبارك أخرى للشعر العراقي وهو يثبت، مرّة أخرى، أنه قادرٌ على الوجود بذاته، من دون حاجة إلى الضجيج والحضور المبالغ به للشعراء، أكثر من نصوصهم.