مُتونٌ في العشق!

144

جمعة اللامي /

يصدق من قال: من فضلة القلب يتكلم اللسان، إنساناً كان، أو حيواناً أعجمياً، أو حجراً من صوان. فالقلب منجم البصر، وبيت العقل، بينما اللسان مظهر، أو هو الربع الظاهر للعيان من جبل الثلج.

“والله! لم أنس حبيّ الدهر ما سجعت حمامة
أو بكى طير على فنن”
(شاعرة عربية مجهولة)

حسب تعبير الكاتب الأمريكي همنغواي. وكان همنغواي يتبع قلبه، حين يُخجل دباً شرساً هرب من قفصه ذات يوم، أو حين احتبس عن الكتابة وانقطع عن الناس في آخر حياته، بعدما قالت له نياط قلبه: يا أرنست.. إن عملاء المباحث يطلقون عيونهم وكلابهم في أثرك!
والقلب معدن الحب والشجاعة. وكان همنغواي محباً وشجاعاً فذاً، وهو اطلع على شجاعة الإسبان عندما يحاربون الدكتاتورية المبغوضة، أو حين يصارع شبانهم الثيران في الحلبات والشوارع، وكأنهم يتآلفون مع الموت، ويتخذون منه صديقاً وخدناً. لكنه لم يتعمق في تاريخ الآداب والفنون الإسبانية، التي تأثرت هي الأخرى بجواهر ما كتبه العرب حول الحب والشجاعة، على العكس من مشاهير الأدباء الألمان والفرنسيين، مثل غوته و”مجنون إلزا”، ولو تهيأ له ذلك لتملكه العجب، وهو يقرأ “طوق الحمامة” أو “تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق” للعالم العلامة الشيخ داوود الأنطاكي.
وأفرد الأنطاكي “الجزء الثالث” من سفره المذكور آنفاً، لعرض حالات المدنفين في “عشق المجهول”. وهي تكاد أن تكون اختصاصاً بقلوب الفتيان العرب والفتيات العربيات، حيث هم، قبل الإسلام وبعده، رسل الحب في أجمل معانيه، وكُماة المحبين لأوطانهم، قبائلَ ومضاربَ وأوطاناً. ومن هؤلاء العرب من اسمه: لؤي بن غالب القرشيّ، الذي نحر لضيوفه، ذات يوم، مئة من الإبل، فعاتبه أخ له على تبذيره، فكبر عليه ذلك، وترك أهله، وحطّ رحاله عند قوم من الأزد، فوقعت زوجة الأزدي في حبّ لؤي لما سمعت من كرمه.
وتأبَّت نفس الأزدي، لما رأى من زوجته، وأخذ يترصدها، فشاهدت لؤيّاً يفرغ من مسواكه، فأخذت المرأة تمتص من لعاب حبيبها، فعزم الأزدي على قتله، وقدم له كأسَ لبن بسمّ، لكن زوجة الأزدي غمزته، فعافه وترك الخيام.
وبينما هو في فلاة، عطفت ناقته على عرفجة تفضلها الإبل، فأكلت منها شيئاً، وكانت حية سامة تهجع في ظلها، فبرزت إلى لؤي وضربته، فأماتته في الحال. وبلغ الأزدية مصير لؤي – يقول الأنطاكي ، فلم تزل تبكيه حتى ماتت. وهذه حكاية يمكن أن تعتبر تعليقاً يسيراً على متون أدبية كثيرة في حياة العشاق العرب، الذين تفضحهم عيونهم، أو تتكلم ألسنتهم بفضلة قلوبهم.
وقلوب العرب مدماة منذ عقود، وهو يرون بعض سراتهم يهربون إلى العنصريين اليهود، بعدما جربوا شامير وبيغن ورابين، يلتمسون لديهم حلاً لمشكلات الإنسان العربي، أو يبتغون عند حلفائهم في عواصم الغرب تقرير صلاحية وجودنا في الحياة (!!)
ومن حق العرب أن يقولوا اليوم أيضاً: من فضلة قلوبنا تتكلم الحجارة.