ناسكاتُ بابل

682

جمعة اللامي / 

“لقد اعتبرت نفسي، دائما، صحافيا”

(ماركيز )

لم أفقد، بَعدُ، أصابع قدميَّ وكفيَّ.

هكذا كنت أقول عندما كنت سجيناً، وهكذا أقول الآن – وانا في جائحة صحية مُهلكة، عندما أفكر بمشروعي الأدبي: هناك قصة لم أكتبها بعد، وهناك امرأة، على غرار شاكيرا، أو مثل “بول دي سويف”، أو حتى مثل الفنانة الراحلة سعاد عبد الله، ستجود عليَّ بتلك المكرمة، لأنها تعيد إليَّ شخصية سيّدة عراقية، تعرفت عليها في أبوظبي سنة 1975.

المغنية شاكيرا التي أعاد ماركيز اكتشافها مرة أُخرى، والغانية التي اخترع قصتها “موباسان”، عندما ضحَّت بجسدها، بين يدي الجنود الألمان، حتى يعبر ركاب العربة التي كانت تقلهم إلى بَرّ الأمان: تلك شهامة شابة هي أكثر طهارة من هاتيك “المحترمات” اللواتي أحطن بالأباطرة والقياصرة العرب.
إنَّ موضوع “الغواني” مفضَّلٌ لدى كثير من الشعراء والكتّاب العرب على امتداد تاريخ الأدب العربي قبل الإسلام وبعده. ولم يستطع “آباء داعش”، قطع دابر تلك العلاقة التي أثمرت “ثقافة” شعرية – أخلاقية، يفتخر بها كثير من العرب والعراقيين، حين يقرأ أي منهم قصيدة السياب الخالدة : “المُومس العمياء.”

عندما كنت سجيناً، ما بين سنوات 1963 – 1968، كتبت نصّاً قصصيّاً على هذا المنوال: مناضلة عراقية تتعرض إلى مشكلة في عملها، فتمثل دور “غانية” في “شارع النضال” البغدادي الشهير. وبذلك تتخلّص من مطاردة الشرطة السرية، وتُخلّص رفاقها من خطر الاعتقال. لكنَّ كهنة “الخط الواحد” في الحياة والثقافة، رفضوا تلك القصة، بل اعتبرها حناج منهم، انها مفسدة للعراق. اما غوستاف فلوبير، فقد جعل من قصة “حمولة العربة” لموباسان، ومن موباسان ذاته، علامة فرنسية فارقة، بل خارقة، في السرد الفرنسي، والأدب الإنساني والعالمي : إن فتاة الهوى “بول دي سويف” التي “وهبت” نفسها للجنود الألمان، لكي يعبر ركاب العربة إلى الجانب الآخر، باتت قديسة !!

وهكذا عمل دستويفيسكي في رواية “الجريمة والعقاب”، عندما جعل من”سونيا مارميلادوفا” الفتاة الممروضة بداء السلّ … “قديسة”، وأقرب إلى “مريم المجدلية”، لتأمين ثمن الدواء لأبيها المريض والمقامر. أمّا ملحمة السياب الشعرية : “المومس العمياء” فلسوف تبقى أيقونة عراقية ـ إنسانية خالدة على مر الحقب والعصور.

وحسناً فعل ماركيز، مع الزهرة الملتهبة شاكيرا، التي رفضت أن تغني في “تل أبيب” في التاسع من شهر تموز الجاري .