نشرة اقتصادية!

443

حسن العاني  /

المتابع لحركة العمل والتسوق والبضائع يلمس، من دون صعوبة تذكر، أن ارتفاع الأسعار بصورة عامة، أصبح في السنوات الأخيرة ظاهرة لافتة للنظر، ومتعبة في الوقت نفسه، لأن المواطن أو المستهلك بلغة الاقتصاد هو الضحية التي عليها دفع الثمن، ولاسيما في ظل الخط البياني المتصاعد للبطالة، والارتفاع المخيف سنوياً في أعداد العاطلين..
هذه هي الصورة إذن، وأخطر ما فيها أن (التصاعد) مستمر، وشمل كل شيء، ومع أن ظاهرة (الارتفاع) مؤذية وغير محمودة بصورة عامة، لكن هذا لا يمنع أن بعض جوانبها كان مفيداً جداً، كما هو الحال مثلاً بالنسبة لرواتب الموظفين والمتقاعدين والعسكريين والوزراء والنواب.. إلا أن ضررها من الناحية العملية كما هو معروف أكثر تأثيراً وأشدُّ أذى.. فمئة ألف دينار زيادة على الراتب مثلاً تفتح في اللحظة نفسها ألف باب وبوابة لاشتعال الأسواق والبضائع بدون استثناء، هذا غير الأيدي العاملة في ميادين القطاع الخاص كافة.. ذلك لأنه لا يمكن استثناء أية مفردة من مفردات الحياة من هذا الارتفاع، لكون الشبكة الاقتصادية متداخلة ومتناغمة ويؤثر بعضها في البعض الآخر..
بالاستناد إلى معطيات الأرقام العلمية، يمكن القول إن الزيادة في رواتب منتسبي الدولة تضاعفت بعد (2003) ما بين (30-50) ضعفاً، وفي بعض الحالات إلى أكثر من ذلك، وهذا مدعاة سعادة وبشارة خير، إلا أن هذه البشارة -واستناداً إلى معطيات الأرقام نفسها- سرعان ما ذَبُلَ عودها وانطفأ بريقها، لأن تكاليف الحياة المعاشية والاقتصادية لم تلتهم تلك الزيادات فقط، بل أفرغتها كذلك من مضمونها الإيجابي..
كان سعر قنينة الغاز على سبيل المثال الواقعي (250) ديناراً. أصبح حالياً (7) آلاف دينار (أي تضاعفت 28 مرة)، وكما ارتفعت أسعار اللحوم والبيض والدواء والملابس والإسمنت والطابوق.. ارتفعت كذلك إيجارات البيوت والدكاكين والمحال والماء والكهرباء.. ولم تكن أجور التاكسي والطبيب والحداد والسمكري و.. و.. أقل هوادة أو بمنأى عن هذه البانوراما المأساوية التي زادت مأساتها مقتضيات الحياة الجديدة (الهاتف النقال والإنترنت والمولد الكهربائي) التي تستهلك لوحدها ثلث الراتب تقريباً!
المضحك المبكي في هذه (النشرة الاقتصادية) المخيبة للآمال، أن نصيرة الفقراء التي كانت تسد فراغاً لا يستهان به من احتياجات المواطن ومشترياته، أصابها الضمور (كمّاً ونوعاً) إلى حد الموت السريري، وليست بي أو بكم حاجة للتصريح باسم البطاقة التموينية!
لا شيء أبداً ينأى، أو يمكن له أن ينأى عن قوانين الحياة الاقتصادية الجديدة، حاول أن تشتري داراً سكنية تعفيك من “لغاوي” الإيجار ومتاعبه، وسترى من جنون الأسعار ما يصيبك بالجنون، مثلما تراه -إذا مَسَّك الخبل- وفكرت بتجديد حياتك الزوجية، أما إذا سوّلت لك نفسك الأمّارة بالسوء بالترويح عن رأسك المتعب واصطحاب أسرتك الكريمة في سفرة سياحية إلى البصرة شتاء أو كردستان صيفاً لمدة عشرة أيام، فسوف تتأكد باللمس والرؤية واليقين أننا نعيش في عصر الصعود والغلاء، وستندم على غلطتك مدى العمر، وسيكون ندمك أعظم وأعظم وأعظم إذا لم تكن مليارديراً أو تتقاضى راتب مسؤول كبير أو عضو برلمان أو أميراً من أمراء المجاميع الإرهابية.
أعتذر جداً عن هذه الصورة السوداوية، ومع ذلك أقول: يجب ألّا تدعونا مثل هذه الصورة إلى التشاؤم أو الفزع أو الانزعاج، فهناك بضائع حافظت على أسعارها الرخيصة، وهي آخذة بالنزول التدريجي موسماً بعد موسم وكأنها تعيش في غير عصرها وتغرد خارج السرب، لعل (الإنسان) في مقدمتها.. وهذا أمر يدعو إلى التفاؤل!!