نشيد الجبال السود

406

جمعة اللامي/

لم يفارقني إنشاده منذ أن استمعت إليه، في يومٍ من صيف إحدى سنوات عمري قبل نحو خمسة عقود. في ذلك الفجر الصائف، وأنا أقتعد صخرة دلمونيّة،
(1)
عند طرف اللسان الأخير لأرض العرب المطل على الماء، كان صوته يترجم أشواق رجل وقع صريع حبّ جامح، يمور في روح جامحة، ضاجّة بالشرف والواجب والمسؤولية:
صباح الخير، يا مريم!
يا نشيد الشمع والزيت،
يالنور،
حين النور تراب،
وذاكرة للعَماء.
مريم!
لماذا – أنا المفتون بك، أختبلُ حين تُنصتُ إليك شهرزاد؟
أنت، لا هُنّ، الصمت الناطق،
الظلّ العالي،
الأم الأُولى،
الرفيقة المقدامة،
والسماء الثانية عشرة.
(2)
حفنة من تراب فوق الأفق الشرقي، تلك هي روح مريم.
وتلك هي روحي، جمرة صفراء فاقع لونها / تستقي زيتها منها / هي تستحم في محطة من عينك، عينك التي حجابها سيف رهيف / فلماذا أيتها الجميلة وهبتني رطلاً من كافور وحفنة من حنطة ونصف أوقية من زبيب وجوز، فلم يبق في ملكوت روحك إلا مرديّ من رحمة. وهذا أنا، زندي موسوم باسمك، وتحت ثديي الأيسر بقية من خضابك / وبين عينيّ نجم زيت، ولبان ومرّ، وخاتم استدار على سبابتك ذات مساء.
يا جميلات الحيرة، وفارعات صَحار!
اطلعن إلى حافات قلبي/ من دلمون والوصل/ من الحيرة وداس/ من جبيل وجميرا/ من الدوحة والطائف/ من الماجديّة والخرّان/ من الصحراء والحضر/ من اليابسة والبحر/ من باطن الآبار وماء أعذاق النخيل/ من المكتبات المنسية ونزهات العشاق/ من الرماد والجمر/ من المكاحل وعطور النفانيف،
لأن التي تهواها نفسي وترغب بها روحي،
استفاقت الآن من رقدة القيلولة،
ووقفت في حوش قلبها،
نوراً يستضاء به
ومَرديّاً من رحمة.

(3)
مريم!
أيتها الوجه والقناع،
سلام على خمار صار وجهك،
سلام على نقاب أنت ليله وصباحه
صباح الخير، يا مريم
يا حواء،
يا بوّابة الوجود،
ومعراجنا الى كرسيّ الواصلين!

(4)
مريم التي مثل شمس سوداء،
غزالة الليل الشاردة من جسدها،
إلى السَيف والوحشة،
القتيلة عند مذابح الجهل والنفاق،
كانت في عربة قلبها،
لا تجد من تطلبه، سوى قلبها.
مريم التي هي الحزن،
والفرح الذي سيأتي،
مريم، الغزالة، الزهرة، الريح، الموجة،
السفح، العمق، النخلة، العاصفة، البهجة، البتول، العارفة، الساخطة، المترهبة،
القمة، الأخيرة، والسماء الثامنة.
مريم التي لا سواها، هي نفسها لا غيرها،
منحت للغرقى،
تابوت السكينة !