هل سنرى (توغ) أردوغان في بغداد؟!
رئيس التحرير سرمد عباس الحسيني/
(إنَّ المياه التي تنبع من تركيا، هي ملكٌ لها وحدها، كما أن النفط الكامن في دول الجوار ملكٌ لهم وحدهم، وطالما أنَّنا لم نطلب مشاركة العرب نفطهم، لا يحق لهم المطالبة بمشاركة مياهنا).
هذا ما قاله الرئيس التاسع للجمهورية التركية، ومهندس السدود فيها (سليمان ديميريل) قبل ثلاثين عاماً بالتمام والكمال، تبنَّاه فيما بعد أسلافه بكل إيمانٍ واعتقادٍ مطلق، نفهم من خلاله سعيهم نحو أن تكون لتركيا الأفضلية في رسم واقع جيوسياسي جديد تجاه من يجاورها ويشاطرها هذه الثروة، ولكن بصيغة دول المصب المتحكّم فيها عبر حجز مياه (دجلة والفرات)، ولتدعم (اعتقادهم) بإمكانية (الهيمنة) التركية، وفرض وجودها كلاعب مهم في منطقة عرفت بمخاضاتها الدائمة، حتى مع سعي تركيا إلى تعزيز وجودها كمركز لتجميع الطاقة، ومن ثم تصديرها إلى أوروبا العطشى للطاقة حدّ الانجماد، بعد انحسار النفط والغاز الروسي الرخيص عنها.
ومن هنا.. جاءت زيارات (أردوغان) إلى السعودية وقطر والإمارت، وإهداؤه – أردوغان- ولي العهد السعودي وأمير قطر، سيارات الـ(توغ) المصنَّعة تركيَّاً بنسبة 100% (كعربون محبة)سعياً منه لإنجاح زيارته التي حملت في جنباتها ملفات الاستثمار والطاقة كملفين مهمين تعوّل عليهما تركيا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها، ولاسيما أن أردوغان يأمل في (مواصلة العمل لإنشاء منطقة سلام واستقرار وازدهار حول تركيا) حسب قوله.
لذا.. كان من المنطق السياسي والاقتصادي الحتمي أن يكمل (أردوغان) جولته في المنطقة مكللاً إياها بزيارة العراق نهاية الشهر الحالي أو في بداية أيلول المقبل، لما تحمله العلاقات التركية – العراقية من تبعات جيوسياسية لملفات ستراتيجية أكثر أهمية قياساً بتلك التي حملها في زياراته الخليجية قبل مدة، وذلك لارتباطها بعدة مواضيع، أهمها ما يرتبط بالأمن العسكري و(تواجد حزب العمال الكردستاني شمال العراق)، وبالأمن المائي (الجفاف الذي يضرب العراق وحبس تركيا للمياه عنه) وبالأمن الاقتصادي (ملف الطاقة وطريق التنمية الواعد) وما سيرافق ذلك من ربط دول الخليج، ومن ثم نقل النفط والغاز عبر (محطة تركيا) الى أوروبا، وهو الأمر الذي لا يمكن لتركيا المعروفة ببراغماتيتها المطلقة التفريط به، بما يدعم الأسباب المُعزِّزة لدورها في منطقة الشرق الاوسط.
مواضيع عدَّة سيحملها (أردوغان) في زيارته القريبة إلى بغداد في ملفات أعقد من أن تتركَّز معطيات مخرجاتها بيد لاعبٍ واحد، مهما زادت أهميته، في منطقة لا تعتمد أساساً على لاعب واحد، وهي في ذات الوقت ملفات نقاش وسعي لحل غير بعيد عن رؤية العراق لذات (الهم) بغاية الحلول المقنعة، وهو الساعي أصلاً على مستوى النيّة والفعل إلى زيادة استثمار وتصدير الطاقة الى أوروبا عبر مسارات انسيابية، آمنة وواعدة، وكمنتج وناقل مستقبلي للطاقة عبر (طريق التنمية).
ملفات لا يمكن أن يحلّ كلٌّ منها على حدة، ما لم يرضَ طرفاها بسلّة نتائج واحدة، لكن هل يمكن لهذه النتائج أن ترضي (ديميريل) في قبره وهو (يرى) أنَّ المنطقة لا يمكن لها أن تعيش بتفسيره الأحادي لحل الملفات، الذي غيّرته المعطيات الجيوسياسية المتقلِّبة؟!
وعليه.. هل سنرى (أردوغان) متأبطاً سيارة الـ(توغ)، أياً كان لونها، (غمليك) أو (باموق قلعة)، متجولاً فيها مع السيد السوداني في شوارع بغداد وليلها الساحر، والإيذان برفع (دخانها الأبيض) تجاه الملفات العالقة والشائكة بين البلدين..؟!
….. والله أعلم