هل من مجنون ينقذنا من (عقلاء) القوم!
جبار عودة الخطاط/
( 1 )
لفتني في بغداد في سفرتي الاخيرة منظر رجل ستيني مجنون يعتمر كوفية تغير شكلها بفعل شمس صيفنا التي لا تبتعد عن ارض العراق سوى عشرة امتار .. الرجل كان يحمل بيده مكنسة طويلة يسندها على كتفه الايمن ويمشي بسرعة غريبة ما يلبث ان يتوقف بين الفينة والاخرى ليكنس بمكنسته القمامة التي توزعت في رصيف الشارع المؤدي لساحة الاندلس .. ثم يمضي في سبيله ليعاود كنس ما يجده امام ناظريه بسرعة فائقة وهو يتمتم بعبارات لم اسمعها .. تساءلت مع نفسي هل باتت بغداد بحاجة الى مجانين كي تنفض عن وجناتها ما تركه (العقلاء) من نفايات تناثرت هنا وهناك لتعلن للملأ انحسار مساحة الذوق بين ظهرانينا؟ .. اجزم ان هذا المجنون الرائع أكثر استشعارا بقيم الجمال التي يبعثها في النفس منظر الشارع وهو ينفض عن نفسه ركام القمامة التي جثمت على صدره بشكل مخيف!
بغداد اليوم بحاجة الى جنون من هذا القبيل لتمسح عن وجناتها تراب وأوساخ (عقلاء القوم) ممن استهانوا بجمال بغداد واشبعوها جلدا بقاذوراتهم، الجهات البلدية التي تخلت عن واجباتها.. والناس الذين تأقلموا مع القمامة ولم يكلفوا أنفسهم تنظيف المساحات التي تقع امام محالهم وبيوتهم..فيالهذا المجنون الرائع ويا لتعاسة (عقلائنا) الذين لم تلتفت ارواحهم لبكاء بغداد الصامت وهي تئن تحت الخراب الكبير .!
( 2 )
*طفل عراقي متفحم يغفو بوجع كوني هائل اغفاءته الأبدية بين يدي والده الذي احتضنه بقوة وهو يجهش بالعراق!
* عامل عراقي مكرود قصد ساحة المسطر ليحظى بسانحة عمل تمكنه من جلب ما يسد به رمق عائلته التي انتظرته ليأتيها بجسد ممزق محترق وقد قطعت اطرافه!
*امراة خرجت لتجلب الى اطفالها بضعة ارغفة خبز ليكتمل افطار العائلة فكانت طعما او رغيفا سهلا لشذاذ ارهاب وبقي اطفالها يتضورون حزنا وجوعا اليها!
* عجوز عراقي طاعن بالحزن يمشي متكئا على عكازه ليتسلم (خلالات العبد) المتمثل بمرتبه التقاعدي فكان ان تقاعد عن الحياة دون أن يلمس الزيادة المنتظرة على راتبه الميكروسكوبي ومضى بيوم دموي آخر!
*شاب عراقي عقد قرانه قبل اسبوع على حبيبته وذهب الى احد محال الموبليات لعله يحظى بغرفة نوم بالتقسيط المريح فاستراح من هم الاقساط وتكاليف الزواج التي ضاق بها مع اهله ذرعا ومضى هو الآخر بإثنين دموي يضاف الى ايامنا المضرجة بالدم ..
كل هؤلاء وغيرهم هم وقود مهرجانات الموت المجاني فيما السيد السياسي المحترم مشغول حد التخمة في حساب المكاسب التي سيدرها عليه منصبه الجديد فراح يملي شروطه قبل ان يهم بالطيران الى عواصم التكييف الخرافي ويبقى العراقي يرزح في جهنمه الارضي !
( 3 )
مَن أبدل قافك كافا
لتغدو عراكْ
من أبدل ماءك نارا
ليشوى هواكْ
يا كم تحرقني بفراتك
ويغسلني
………. لظاكْ