هنا.. وهناك!

1٬148

حسن العاني/

لا خلاف على وجود خصوصية لكل شعب من شعوب الأرض، تتمثل بمجموعة من العادات والأعراف والتقاليد، وما هو مقبول أو مستهجن أو مرفوض، ويذهب الرأي العلمي إلى القول: ان الخصوصية في حقيقتها، نتاج اجتماعي يرتبط بالعديد من العوامل التي يشترك فيها التاريخ والدين والمحيط البيئي والثقافة والوعي.. الخ، وتنسحب هذه العوامل بالضرورة على النظام السياسي، حكومةً وتشريعات وقوانين، ومن الطبيعي ان تتباين مفاهيم الشعوب وخصوصياتها تبايناً طفيفاً هنا، وحاداً هناك، وربما يصل الى حد التقاطع والتنافر!!

لعل النظرة الى “الشرف” والموقف منه، في مقدمة التباينات الحادة جداً، بين الشعب العراقي مثلاً وبين الشعب الفرنسي أو البريطاني أو الكندي، والحياة زاخرة بمئات المقارنات، من ذلك ان الانسان عندهم يمكن ان يحتسي الخمرة الى حد السكر، ويترنح في الشارع، ويعود الى بيته وقت الفجر، وهو “شريف”، ولكن الشرف يُرفعُ عنه إذا قاد سيارته مخموراً، أو كان سبباً في إيذاء شجرة أو عابر سبيل في أثناء ترنحه، أو إذا أحدث ضجة في البيت تزعج الجيران، والرجل هناك، يخون زوجهُ، ويعترف لها ويعتذر، والزوجة حرة في قبول إعتذاره أو رفضه، وتأتي المرأة بفعل مماثل، وتندم وتعتذر، ويقبل الزوجُ إعتذارها أو يرفض، ويحضن الشاب هناك حبيبته على قارعة الطريق أو أمام الملأ في أي مكان و.. و.. وهو في قمة شرفه، ولكن الشرف يسقط عنه في نظر القانون والمجتمع، إذا تقاعس في عمله، أو تحايل لمغادرة دائرته قبل عشر دقائق، أو تمارض، او قدّم معلومات غير دقيقة عن وضعه الضريبي، أو مارس الغش الصناعي، ولا يسقط الشرف عن المرأة إذا إرتدت ملابس تكشف تسعة أعشار جسدها، أو بدّلتْ أصدقاءها كما تبدل ملابسها الداخلية، ولكنه يسقط عنها بمعايير الاخلاص في العمل التي تنطبق على الرجل، ويسقط عنها كما يسقط عن الرجل، إذا رأتْ مشكلة في ممتلكات عامة أو خاصة، ولم تتصل بالجهات المعنية وتبلغ عنها..

إن كل ما يتعلق (هناك) بالحريات الشخصية، هو أمر لا يمت الى الشرف بصلة، وكل ما يتعلق بالآخرين وحرياتهم ومصالحهم، سواء كان الآخر إنساناً أم شارعاً أم متنزهاً أم حقلاً أم مصنعاً أم شركة.. الخ، هو مقياس الشرف، إن امرأة تخرج هناك من دار العبادة، ولكنها ترمي علبة سجائر فارغة في الشارع، تعدّ كائناً لا يستحق الاحترام، وإمرأة تخرج من بيت الدعارة، ولكنها ترفع علبة سجائر فارغة من الطريق لترميها في سلة المهملات هي إنسانة تستحق الاحترام.. أما “هنا” فالرجل شريف لأن أياً من قريباته الى الدرجة الرابعة لم يمسسها إنسان ولا جان، وهو شريف وبطل و(أخو أخيته)، لأنه نجح في تزوير شهادته، أو تهرب من دفع الضريبة، أو باع سلعة مغشوشة، أو نسّق أموره مع موظف الاستعلامات أو أخذ رشوة، أو ضحك على ذقن جاره.. لأن أغلبنا مع الأسف، لا يرى الشرف إلا بين فخذي إمرأة!!