ورقة في النُعاس!

299

جمعة اللامي /

“عندما في الأعالي،
لم يكن من الآلهة سوى آبسو أبيهم،
وممو، وتعامة، التي حملت بهم جميعاً.”
(الإينوما إيليش ــ اللوح الاول)

لماذا ينام الإنسان؟
وجَلَّ اللّه تعالى الذي لا تأخذهُ سِنة ولا نوم.
ربما لا يعرف المواطن الياباني “ميتسوتاكا يوشيكوشي”، العلاقة ما بين مُخّ الإنسان والنوم. لكن الشعوب الشرقية، ومنها شعب اليابان، الذي يتألف من ثلاثة أعراق، تحيل النوم إلى “ثقافة ما ورائية”. ويحضر النوم في كل الكتب الدينية المقدسة. وكل مشتغل على قضايا الموت، تجد في مكتبته رفاً أو أكثر، مخصصاً للكتب والبحوث التي تناقش هذه الظاهرة، التي ما تزال مجال بحث لا يريدُ أن ينتهي في عالم الإنسان. وذِكرُ النوم ملازماً للأنبياء والصدِّيقين والمصلحين العظام. والنوم مدخل الفنانين والمخترعين إلى الكثير مما تنعم به البشرية الآن من تقدم علمي ونهوض حضاري. يكفي أن نذكر هنا أن “الحلم” في أثناء نوم الإنسان، نوع من الوحي، أو ضرب من الاتصال بعالم المطلق، كما هو مفصل في مستويات الوحي، في كتب الدين.
والقرآن الكريم يزخر بذكر النوم والأحلام، ورؤيا الأنبياء صادقة، وصادقة أيضاً رؤيا إبراهيم (عليه السلام)، من أنه يذبح ابنه إسماعيل (عليه السلام). وعندما عزم الرسول الأكرم (عليه وعلى آله الصلوات والتسليم)، على الهجرة إلى يثرب، أبقى عليَّاً (كرّم الله وجهه) في فراشه، وأرسل الله النوم لينيم فرسان الكفار.
في ثقافتنا الإسلامية يبدو النعاس أحد الجنود العشرة الإلهيين الذين لا قدرة لأحد على مقاومتهم، مثل الريح والماء والنار. ومن آيات الله تعالى الفِتية الذين أووا إلى الكهف مع كلبهم.
ومن النِّعَم الربانية أنه (تعالى) يرينا حالنا في نومنا، ومن أبرز مثقفينا في هذا المستوى: شيخ الإسلام أبوبكر الأنصاري، الأنْسي البَصْريّ، مولى أنس بن مالك، الإمام محمد بن سيرين، رحمه الله تعالى، الذي جعل له حاشية دائرية بقلم الإمام جعفر بن محمد الصادق، فكانا كتابين في كتاب واحد.
كتاب محمد بن سيرين: “تفسير الأحلام”، ثبتٌ مرجعي عند من يحترم العلم والعلماء. ومنذ ظهرت النزعة العلمية ربط العلماء ما بين المخ والنوم عند الإنسان، بعدما أجروا تجارب مشهودة على عدد من الحيوانات، دون أن ينسوا الحياة العجيبة لسكان أستراليا الأصليين، حيث النوم عندهم هو عالم اليقظة.
ومن هؤلاء، عالم ألماني يدعى “والترهس” الذي يرد ذكره في كتاب “أسرار النوم” الذي ألفه “الكسندر بوربلي” وصدر في الكويت تحت رقم “163” في سلسلة “عالم المعرفة”.

أما المواطن الياباني “يوشيكوشي”، فقد بقي نائماً لمدة 24 يوماً متواصلاً، بعدما زلَّت قدمه عند سفح جبل، ليروح في سبات عميق، حيث “سقطتُ في منطقة خضراء، وشعرتُ بدفء الشمس، ثم نمتُ، وهذا هو كل ما أتذكره.”
ولكلّ مجتهد نصيب.