وسط الصخب العظيم مازن لطيف وتوفيق التميمي

737

#خليك_بالبيت

د. حسن عبد راضي / 

يبدو أنّ أزمة تفشي جائحة كورونا جعلت العالم ينشغل بها وينسى كثيراً من همومه التقليدية، ومخاوفه اليومية الأخرى، حتى أنّ أرقام الموتى صارت تعد ضحايا الوباء ولا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى أن ثمة من يموتون موتاً طبيعياً أو بأمراض أخرى أو قتلاً أو في حوادث مختلفة، لقد جيّر الوباء العالم لصالحه، وانتهى الأمر.
قبل ما يربو على الشهرين اختفى عن الأنظار الزميل الإعلامي والناشر مازن لطيف، والمرجح أنّه اختطف كما وردت الأخبار من أصدقائه المقربين منه، وأثار اختفاؤه كثيراً من الأسئلة عمّن يقف وراء هذه العمليات ولمصلحة من يحصل ذلك! ولم نكد نفيق من صدمة اختطاف مازن لطيف حتى وردت الأخبار قبل اندلاع أزمة الوباء بأيام قليلة عن اختطاف الزميل الكاتب الصحفي توفيق التميمي أثناء توجهه إلى العمل في صحيفة الصباح الغراء، وقد أثار هذا الأمر المزيد من المخاوف عن مدى قدرة أي صحفي أو إعلامي على ممارسة حريته في التعبير عن رأيه الشخصي، ناهيك عن قدرته على الانخراط في القضايا المجتمعية التي تقع في الصميم من عمله وتكون في الغالب عرضة للنقاش على نطاق واسع ويتشكَّل منها ومعها الرأي العام.
لقد تبادل أصدقاء الزميلين الغائبين والعاملون معهما الأخبار المتعلقة بهما بعد اختفائهما، لكن الحدث الكارثي الأكبر (الوباء المتفشي حالياً) الذي هيمن على كل العالم على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والإعلامية جعل البحث عن مصيرهما ينسحب إلى خلفية الأخبار والاهتمامات، ثم يتلاشى كلياً وسط أخبار الموت اليومي والإصابات والإجراءات الوقائية.
ولكن إذا كان للعالم أسبابه التي تجعله ينسى أو يتناسى هذا الشأن الذي يبدو في عينه صغيراً بالقياس إلى الشأن الأكبر الآن، فهل يليق بنا نحن زملاءهم في المهنة أن ننساهم، أو أن نطوي صفحتهم بالصمت المطبق، ومن غير بحث حقيقي عن مصيرهما، ومساعدة عائلتيهما ولو بأضعف الأيمان، بالمواساة وبإشعارهم بأنَّهم غير منسيين وسط الصخب العظيم.
رسالتنا نحن الصحفيين هي رسالة الآخر دائماً، نحن صوت الناس، والسلطة الرابعة كما تقول الأدبيات عن مهنتنا، ولذلك لا ينبغي لنا السكوت، وإن سكت الآخرون، ومهما علا ضجيج العالم وضوضاؤه، فإنَّ للحقيقة صوتاً سيظل يصدح بالحرية، ولنتذكر دوماً أن ما حدث لكليهما ولعشرات الصحفيين من قبل قد يحدث في أية لحظة ولأي صحفي، وقديما قالت الحكمة: أُكلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض.

النسخة الألكترونية من العدد 357

“أون لآين -2-”