وطني يحبُّ الغرباء

762

جواد غلوم/

قد لانختلف في فهمنا ونظرتنا بأن الحروب التي هزّت بلادي وأضعفتها في العقود الأربعة الأخيرة ودمّرت المدن وخطفت آلاف الأرواح، ونهبت الثروات وسرقت الكثير من الخيرات التي يزخر بها وادي الرافدين حتى وصلت نسبة الفقر في بلادي إلى مؤشرات مخيفة؛ كل هذه البلايا والرزايا ومحاولات إفقار شعبنا وتجويعه وثلم أخلاقنا وطباعنا الطيبة ومثلنا العليا؛ ومعظم تلك الكوارث التي حلّت بنا لم تفلح في القضاء على رحابة صدورنا وطمس صفة كرم أبناء الرافدين تجاه الغرباء المحتاجين. وهاهو العراق وأهله يعدّون من أكثر الشعوب كرَماً وميلاً لمساعدة الغرباء.

هكذا قالت مؤسسة المساعدات الخيرية ( CAF ) المعروفة برصانة ودقّة نتائجها في تقريريها للسنتين / 2016 ، 2017 في مؤشر صفات الشعوب وعطائها العالمي حيث شمل التقرير مئة وأربعين دولة في مختلف بقاع العالم بما فيها دول عربية قد تقترب منا في مدّ يد العناية والسخاء والاهتمام بالإنسان الغريب العائش بيننا، اذ وضعت المؤسسة شعبَ العراق السامي في المرتبة الأولى وفي الصدارة بسخائه وكرمه بشأن مساعدة الغرباء وبذل العطاء الكبير لهم سواء كانوا زائرين أو مقيمين عندنا لأغراض العمل.

وأشارت تقارير المؤسسة المذكورة أيضاً في استطلاعات رأي من عيّنات العراقيين بمختلف طبقاتهم أن 81% من هذا الشعب الكريم النفس عملوا على مساعدة الغرباء البعيدين عن أوطانهم وتقديم مايمكنهم من مساعدات مادية أو معنوية مع أنه في أشدّ الحاجة إلى من يرمّم بلاده ويعيدها إلى سابق عزّها.

وبرغم ارتفاع نسبة البطالة بين العراقيين القادرين على العمل؛ فما زلنا نرى في قطاعات الأنشطة الاقتصادية كافة مجاميع من البنغال ومن السودان ومصر وجنسيات أخرى تأنس العيش في بحبوحة العراق وكرمه وعطائه الوفير مع وجود القلاقل والاضطرابات وضعف الأمن هنا وهناك؛ فليس خافياً أن أغلب المجتمعات التي تتعرض لظروف استثنائية بسبب الحرب وويلاتها قد تزعزع أسس القيم والعادات المتوارثة النبيلة وتتعالى “الأنا” ويبرز فكر الاستحواذ لضغط الاحتياجات الآنيّة نظراً لسوداوية الحاضر وغموض ملامح المستقبل وتختفي حالة “النحن” لكن كل هذه الحالات المربكة التي لازمت بلادي لم تحبط حبّه واهتمامه بالأجناس العائشة معه فقد بقي أهلنا متمسكين بصفاتهم النبيلة في إيلاء اهتمامهم بالغرباء ومدّ يد العون لهم وتمكينهم من الحصول على فرص عمل لهم.

وأوقن أن الهشاشة والأوضاع المتأزمة لم تفعل فعلها في تفكيك صفات النبل والكرم ومعونة الغرباء بل عملت على تضافر الجهود وزيادة الحسّ الإنساني لمساعدة بعضهم البعض بل امتدّت تلك الصفات إلى تقديم العون وإيلاء الاهتمام بالأجانب والغرباء والوقوف إلى جانبهم مع كل العوز والفاقة التي مازالت ترافقنا في هموم معيشتنا.

تلك هي العراقة والأصالة الراسخة فينا سواء أكنّا في عسرة السنين أو يسرها، وهذا هو مبعث نهوضه وتساميه وعودة الرقيّ مجدداً في العقل والنفس العراقيين وازدهار بقاعهِ في المقبل القريب حتماً.