يوم بطول عمر
نرمين المفتي /
في عيد الأم، أكرّر منشوراً في صفحتي على الفيسبوك يقول: (كم كان عبقرياً ذلك الذي ابتكر عيد الأم في الربيع، لأنَّه تنبّأ بأنَّ أماً مثلك ستكون يوماً)، وأهدي باقة من أزهار النرجس إلى أمي (سلام إلى روحها في جنتها) التي كانت تحبّها وتشبهها. كانت أمي ومثلها غالبية الأمهات العراقيات معطاءة وصبورة.. في منتدى فانكوفر للسلام، حزيران ٢٠٠٦، كنتُ من بين ثماني شخصيات ألقينا كلمات الافتتاح، قدّمني عريف الحفل واصفاً إياي بالمرأة العراقية الجريئة لكوني صحفية في بلد يُعَدُّ الأخطر في العالم، حينها، في تهديد حياة الصحفيين. شكرته على كلماته وقلت بأنني امرأة عراقية جريئة، لا لكوني صحفية في ظروف صعبة إنما لكوني أماً في هذه الظروف، وكان ابني حينها طالباً جامعياً، وأضفت بأنَّ أجرأ نساء العالم وأكثرهن عطاء وصبراً هي الأم العراقية وأي أم في مثل ظروفها في بلدان أخرى..الأم العراقية أيقونة الأمهات، وفِي صلاتها تدعو الله سبحانه أن يجعل بلدنا آمناً، هذا البلد الذي لم ينبت لمعظم شهدائه شاربٌ، تدعوه سبحانه أن يجعل ابنها بطل حياة شهيد وليس شهيداً سعيداً.. هذه الأم التي أخذت موقع ابنها في ساحات التظاهر قبل أن تجف دموعها؛ إن جفت..
ملايين من الأمهات العراقيات أصبحن مرغمات معيلات لأسرهن وبينهن من تنتظر الحصة التموينية التي اختزلت في ثلاث مواد، وبالصدفة توزّع معاً وبالصدفة النادرة جدَّاً توزّع شهرياً، وحين تستلمها تنتظر أن يشبع جميع أفراد أسرتها ومن ثم تمدّ يدها لما تبقى في الصحن. هذه الأم بحاجة إلى أن تمتد اليها أيدي الرعاية الاجتماعية وأن تراها أعين الحكومة وأن تنتبه اليها لجنة المرأة في مجلس النواب..
عيد الأم يوم بطول سنة، إنّما يوم بطول عمر، ولأنّنا نحب أمهاتنا نحاول قدر الإمكان أن نجنبهن الخجل من تصرفاتنا، مهما كان هذا التصرف صغيراً، فما بال الفاسدين لا يفكرون بأمهاتهم؟ هل يتوقفون للحظة واحدة وهم يفكّرون في مشروع فساد جديد؟ ليس ذنب أمهاتهم بأن فسادهم وصل إلى هذا الحجم الذي يفوق الخيال، لكنّهن، مع الأسف، لسن في حسابات أبنائهن.. وما بال الطائفيين وهم يمعنون بالمحاصصة؛ ألا يفكرون بأمهاتهم؟ أين بال الإرهابيين من أمهاتهم وهم يزدادون إرهاباً وعنفاً؟، كل هؤلاء يسيئون إلى أمهاتهم دون أن يرفَّ لهم جفن.. وكأنني أسمع صوتاً يقول إنَّهم لا يخشون الله سبحانه، فكيف يخشون أمهاتهم؟