في شأن النجلاء الفاتكة
جمعة اللامي /
أما “ابن داود” هذا، فهو: أبوبكر محمد بن داود بن علي، ويعرف بالفقيه الأصفهاني، حسب تصنيف الشيخ داود الأنطاكي، الذي يزيد في القول على إنه من فقهاء “الظاهرية” الذين اشتهر من بينهم “ابن حزم الأندلسي”، الذي يلقب بالظاهري أيضاً.
“يا ابن داود يا فقيه العراق … افتنا في فواتك الأحداق”
(ابن الرومي)
وكان لابن داود شأن عجيب في الحب، ضمنه رسالة عنوانها: “كتاب الزهرة” اتخذ فيها شأواً غير مألوف في العشق والتدلّه بين أهل العقل، لكنه كان شائعاً في الحضارات الوثنية.
ويقال أن صاحباً له يدعى محمد بن جامع الصيدلاني، حسن الطلعة، جميل الوجه ساحره، يشتغل في بيع العطر ببغداد، وأنه ذات يوم، بعدما خرج من الحمّام، نظر إلى وجهه فصعق لجماله، فَتَبَرْقَعَ! كأنه بذلك يذكرنا بـ “نرسيس” الإغريقي. أو بالشعراء والفنانين الغربيين الذين يعرفون بـ ” الدانديين” الذين يستملحون الاستمتاع بجمالهم الفسيولوجي الظاهري، ولا يتغورون جمال الروح وفضائلها.
وهؤلاء الذين عندهم عقل وبيان وإرادة، على خلاف مع المادة الجامدة التي يحسبها الجُهال من دون عقل، وعلى عدم وفاق مع النباتات التي لا يرى فيها متمنطقون إلاّ مصدراً من مصادر علف الحيوان، وهم أيضاً يخذلون الحيوان فيحسبونه غريزة فقط . ففي الحضارات “البريئة”، كما في كتب أهل العفة، نجد أن الجمادات في تواصل وتحاب وتعشّق، وللعرب المسلمين شعر كثير وحكمة نادرة في هذا المجال المتصل أيضاً ليشمل النباتات التي تتدلّه في بعضها وتذوب هوى وجوى في أخواتها.
ويجري الحب في أنساغ هذه المخلوقات على أنواع ثلاثة: فبعضهم يعلنه، وآخر يكتمه، وفريق بين أولئك وهؤلاء. وهم شهداء أمام أنفسهم قبل الناس، وفي ذلك تقول “العامرية” صاحبة “المجنون”:
باحَ مجنون عامرٍ بهواه
وكتمتُ الهوى فمتُّ بوجدي
فإن كان في القيامة نودي:
من قتيل الهوى؟ تقدمتُ وحدي!
ما أجمل وجهك الكريم الذي ليس كمثله وجه، يا ربّ العشاق الأحرار، وخالق كل مخلوق في السموات والأرضين، وأنت ربي، تقدست أسماؤك الحسنى، وتنزهت عن التشبيه، وهبتنا نعمة المحبة، وأنعمت علينا بمحبة الأوطان فإن ابتعدنا عنها، قتلنا الحنين والشوق إليها، ومُقدمنا في ذلك رسولك السلام عليه وعلى آله أفضل السلام، الذي استمرت مكة تسري في ذاكرته سريان الدم في العروق، وهو في المدينة المنورة.
لكننا – يعلق المتروك- نجد بين ظهرانينا من يبيع وطنه بشروى نقير، ويرفع فسطاطاً للكراهية والإرهاب والخيانة، ويكره الورد، ويخون الحب.