أوبك ودورها في معادلة العرض والطلب العالمية للطاقة الأحفورية

222

ضرغام محمد علي/

تشكّل ما تسمّى بالطاقة الأحفورية متمثلة بشكل أساسي بالنفط الخام والغاز الحر والمصاحب المصدر الرئيس للطاقة في العالم مع منافسة لا تزال خجولة من مصادر الطاقة المتجدّدة المحدودة الإنتاج والعالية الكلفة والطاقة النووية العالية الخطورة والكلفة.
لذا فإن التوقعات باستمرار هيمنة الطاقة الاحفورية على العالم للخمسين عاما المقبلة على الاقل هو ما يعطي أهمية كبيرة للدول المنتجة للطاقة.
تأسيس أوبك
ولكسر الهيمنة التي كانت تشكلها الشركات الكبرى للنفط على اقتصاديات الدول المنتجة لا سيما ما كان يسمى بالاخوات السبع وهي أكبر شركات النفط العالمية التي كانت تحتكر عمليات الاستكشاف والاستخراج من خلال احتكار التكنولوجيا وجني مكاسب كبرى الا أن تراجع دورها أرجع الكرة الى ملعب الدول المنتجة للنفط إذ أنهت معظمها علاقة الهيمنة لتلك الشركات وأصبحت هذه الشركات بدل الاحتكار إما شريكا او مشغلا مقابل ثمن لعمليات الاستكشاف والاستخراج، ما أكسب الدول المنتجة أهمية أكبر واستقلالية أعلى في سياساتها. ولضبط إيقاع السوق النفطية العالمية من ناحية المعروض والسياسات السعرية والمنافسة على الأسواق تأسس تحالف اختياري ذو إطار مؤسسي بفكرة عراقية في بغداد في 14 ايلول سبتمبر من عام 1960 من قبل الأعضاء الخمسة الأوائل (إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا).
وللحفاظ على قوة قرار المنظمة وعدم إعطاء أحد الأعضاء قدرة الهيمنة على قراراتها تقرّر أن يكون مقرها الرئيس في فيينا في النمسا منذ عام 1965، رغم أن النمسا ليست دولة عضواً في أوبك.
تحولات في سياسة المنظمة
ورغم قوة المنظمة وتعاظم تأثيرها في رسم السياسات النفطية الا أنها شهدت فترات تراجع في قوتها بسبب عدم وحدة القرار في فترات زمنية لا سيما في فترات الحروب مثل حربي الخليج الاولى والثانية وما بعد عام 2003 إذ مرت المنظمة بفترات ضعف بسبب تمرّد بعض الأعضاء المؤثرين على سياسة الحصص الموزعة بين الاعضاء وانتهاج سياسة جديدة تعتمد المنافسة على الأسواق، وهو ما أدى الى انهيار الأسعار في فترات بين الأعوام 2005 الى 2020 ما كبّد الدول المنتجة خسائر كبيرة، الأمر الذي أعاد أهمية المنظمة الى الواجهة لإعادة التوازن السعري الى مستوى يخدم الدول المنتجة لذا تشكّل ائتلاف ما يسمى أوبك بلاس الذي يضم دول أوبك ودولا من خارجها للحفاظ على مصالح الدول المنتجة وكسب القدر الممكن من استقرار الأسعار. ونجح هذا التحالف في خفض طوعي لإنتاج الدول الداخلة للائتلاف لتجنّب إغراق الأسواق النفطية ومواجهة تدهور الأسعار الذي ضرب الأسواق بسبب السياسة الامريكية في التوجه لإنتاج النفط الصخري الاعلى كلفة وإرغام الدول المنتجة على خفض السعر، وقد نجحت هذه السياسة لفترة محدودة في الضغط على الدول المنتجة عبر زيادة عدد أبراج الاستخراج للنفط الصخري رغم كلفته العالية، وهو ماجعل أسعار النفط العالمية تهوي الى أدنى مستوياتها لعقود كثيرة وأجبر أعضاء أوبك على إعادة توحيد سياساتهم وعقد تحالفات خارج أوبك مع المنظمة لضبط الايقاع السعري للأسواق العالمية.
الا أن ائتلاف أوبك بلاس أثبت أنّه أقوى من التحديات التي وضعتها الولايات المتحدة التي كان احتياطيها الستراتيجي من النفط المحرك المؤثّر للأسعار الا أنّ نمو الأسواق الاسيوية لا سيما الصين والهند سحب البساط من الهيمنة الامريكية وزاد من أهمية أوبك والدول المتحالفة معها في تحديد السياسات السعرية.
النفط الصخري الامريكي وضغوطه على دول أوبك
ضغط النفط الصخري الامريكي ذي كلفة الإنتاج العالية على أسعار النفط حول العالم لفترة امتدت بين 3 الى 4 سنوات شهدت فيها أسعار النفط تراجعا كبيرا أضر كثيرا بالدول المنتجة لا سيما أعضاء أوبك وهو ما أفضى الى تأسيس ائتلاف أوبك بلاس الذي حجّم من قابلية النفط الصخري على الضغط على الأسعار من خلال خفض اختياري للأعضاء للإنتاج، كذلك فإن كلفة إنتاجه المرتفعة وقوة ائتلاف الدول المنتجة وقوة الطلب في آسيا أدت الى إفشال الخطط الامريكية لاعادة التحكم بأسعار النفط العالمية وعادت الكرة الى أوبك والدول المؤتلفة معها.
أوبك وآفاق المستقبل
أثبتت التجارب السابقة أن ائتلاف دول أوبك على سياسات متوازنة يشكل مصلحة للدول المنتجة والمستهلكة للطاقة على حد سواء لا سيما في أوقات تراجع وتيرة النمو العالمي الذي يخفض الطلب على الطاقة فإن ضبط إيقاع الإنتاج مع حاجة السوق الفعلية يحافظ بشكل متوازن على مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء وعدم جرّ الاقتصاد العالمي الى لعبة الضغوط والاستقطاب السياسي من خلال سياسات اقتصادية رصينة حرص العراق على أن يلعب فيها دورا محوريا عقلانيا طوال عمر أوبك، لذا فإن أهمية هذه المنظمة ودورها المحوري في اقتصاد العالم سيستمران حفاظا على مصالح الجميع منتجين او مستهلكين للطاقة.