اقتصاديون: رواتب الموظفين مؤمّنة وتأخر صرفها إجراء إداري..

137

بغداد / علي كريم إذهيب/

تطفو على سطح المشهد العراقي تصريحات من بعض أعضاء الكتل السياسية وأعضاء مجلس النواب، حول عدم قدرة الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني على توفير رواتب موظفي الدولة العراقية للأشهر الأخيرة من العام 2024.

هذه التصريحات جاءت بعد تأخر دفع رواتب موظفي بعض الوزارات خلال الشهر الماضي، الأمر الذي دفع لتداول تلك التصريحات بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الصفراء.
إجراءات تنظيمية وإدارية
يعزو خبراء الاقتصاد إلى أن أي تأخير في توزيع الرواتب الشهرية لا يعني أن هناك أزمة في السيولة المالية، بل إن الأمر متعلق بإجراءات تنظيمية وإدارية بحتة. وبشأن حجم الكتلة النقدية للعملة العراقية في البلاد، فإنها ووفق أرقام رسمية اطّلعت عليها “الشبكة العراقية” تتراوح بين 100 إلى 110 تريليونات دينار، إذ إن مشكلة الإصدار النقدي هي تسربه إلى خارج الجهاز المصرفي، وهذه المشكلة ليست حديثة، بل هي موجودة منذ عقود عدة، بسبب طبيعة الثقافة النقدية في العراق التي تميل إلى ثقافة النقد (الكاش).
تصريحات غير دقيقة
يستهجن المستشار المالي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح ما يُثار عن تفاقم مشكلات السيولة النقدية، ولاسيما في تنفيذ مسارات السياستين المالية والنقدية في العراق، فيعدها آراء شخصية لا تلامس الواقع لسببين موضوعيين. ففي حديثه مع “الشبكة العراقية”، حدد صالح السبب الأول بما يتعلق بالتدفقات النقدية للموازنة العامة الاتحادية، إذ لم يشهد هذا المتغير المالي أية تعثرات في قوة تدفقاته خلال تنفيذ الموازنة العامة الاتحادية للعام 2024، وذلك لمتانة الإيرادات النفطية وتصاعد الإيرادات الأخرى. وما يؤكد كلام صالح هو بيان وزارة المالية الاتحادية الرسمي الصادر في 11 آب الحالي، بشأن ما يثار حول ما يسمى بـ (مشكلات السيولة المالية)، إذ نص البيان الرسمي على أن “تصريحات نقص السيولة غير دقيقة، لكون الرواتب بكافة مسمياتها من أولويات وزارة المالية، وأنها تقوم بتمويل ما يقارب (7.5) تريليون دينار شهرياً لتعويضات الموظفين والرواتب التقاعدية والمنح ورواتب الرعاية الاجتماعية ورواتب ذوي الإعاقة ومخصصات التلاميذ ورواتب المختارين.”
يستطرد المستشار المالي ليوضح السبب الثاني بالقول: “ثمة تكهنات تطلق من بعضهم أيضاً بين الحين والآخر حول مستقبل السيولة النقدية، وهي أقوال تتقلب بلا شك في منطقة غامضة من المعلومات، وتعد مجرد تضارب أفكار وهواجس يجري تداولها هنا وهناك.” مضيفاً أن “السلطة النقدية تمتلك بلا شك المرونة الكافية في تعزيز سيولة الاقتصاد العراقي على نحو منتظم يلبي على الدوام احتياجات الطلب النقدي الكلي وبأكثر من اتجاه.”
يشير صالح إلى أن “البنك المركزي العراقي، بكونه بنك الإصدار النقدي حسب النظام القانوني للبلاد، يتمتع بمهام إدارة مناسيب السيولة واستقرارها بالكميات والقيمة والتوقيتات التي تحافظ على استقرار الاقتصاد الوطني وانتظام معاملاته، على وفق كفاءة وجودة عالية في إدارة نظام المدفوعات النقدية في البلاد، وبهذا تعد مهمة الإصدار النقدي واحدة من أهم الواجبات الجوهرية للسياسة النقدية العراقية في توفير متطلبات نظام المدفوعات النقدية، وحاجته إلى وحدات النقد بالمقادير والفئات النقدية المختلفة، فضلاً عن إدارة التدفقات النقدية وحماية أرصدتها في عموم الاقتصاد الوطني. إذ تبنى خطط الإصدار النقدي واحتساب معدلات نمو السيولة النقدية واستقرارها على آليات عمل دقيقة طويلة الأجل، تمثل صلب واجبات ومهام السلطة النقدية في البلاد التي ينظمها قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004.”
الريعية الاقتصادية
يعد الاقتصاد العراقي من الاقتصاديات أحادية الجانب، أي أنه يعتمد فقط على مورد مالي واحد لبناء الموازنة العامة بشقيها الاستثماري والتشغيلي، إذ إنه يعتمد بنسبة تصل إلى 96٪ على الإيرادات المالية المتحققة من بيع النفط الخام.
ينتج العراق حالياً أكثر من 4.6 مليون برميل يومياً من جميع الحقول العراقية، باستثناء حقول النفط في إقليم كردستان، كما يقوم بتصدير نحو 3.2 مليون برميل يومياً حسب الأرقام الرسمية لشركة سومو، ويحل العراق في المرتبة الخامسة بإنتاجه 4.27 ملايين برميل يومياً، وفق بيانات أوبك، وهو ثاني أكبر منتج في أوبك بعد السعودية.
وباحتياطات مؤكدة تبلغ 145 مليار برميل، يتمتع العراق بالقدرة على زيادة الإنتاج بشكل أكبر، لكنه مقيد بالبنية التحتية وعقبات في التصدير، ويستهدف العراق زيادة طاقته الإنتاجية إلى 5 ملايين برميل يومياً قبل نهاية العقد الحالي.
الذهب الأسود
للغوص في بحر الذهب الأسود، يقول الخبير الاقتصادي (الدكتور علي دعدوش) في حديث مع “الشبكة العراقية”: إن “أسعار النفط إذا استمرّت ما بين (75 – 80) دولاراً صعوداً فإن رواتب موظفي الدولة العراقية مؤمنة بالكامل، وحتى لو انخفض سعر النفط إلى ما دون (70) دولاراً فإن الحكومة ستلجأ إلى التمويل النقدي (خصم حوالات الخزينة)، وهي فقرة موجودة ضمن الموازنة العامة لتمويل العجز، فضلاً عن الاقتراض الداخلي”.
يضيف دعدوش أن “السيولة النقدية في العراق، وفق الخطة الحكومية، مؤمنة حتى نهاية العام 2024، لا بل حتى إلى الربع الثاني ربما من العام المقبل 2025.” لكنه يرى أن “هذه السياسة الريعية ستؤثر على مستقبل الأجيال القادمة، فمن يولد سيكون في ذمته دين عام، ولا يستفيد من الموارد الطبيعية (النفط الخام والغاز) وحتى بقية المعادن.”
يسترسل قائلاً إن” تأثر العملة الوطنية وتآكلها من جراء ارتفاع الدين العام الداخلي، يؤديان إلى التضخم، مع ذلك فإن دفع الرواتب لا يثير القلق، إنما تبعات دفع الرواتب هي المثيرة للقلق الذي يؤرق المختصين في الجانب الاقتصادي.”