العراق بصدد استحداث نظام مدفوعات جديد خبراء: إصدار عملة رقمية يتطلب بنية تحتية قوية

14

بغداد – مصطفى الهاشمي
توقعت مجموعة من الخبراء الماليين والمصرفيين أن يتبنى البنك المركزي إصدار نظام مدفوعات جديد يتمثل بالعملة الرقمية، بعد إنجاز متطلبات هذا النظام من البنية التحتية، وليس في القريب العاجل، أو حتى في هذا العام.

جاءت توقعات الخبراء بعد تصريح المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح بهذا الخصوص، الذي أشاد بالخطوة كونها ستعمم الشمول المالي حتى على الطبقة الفقيرة، لأنها ستتعامل بوحدات نقدية أصغر من 250 ديناراً، بل ستنخفض إلى مستويات الفلس، ما يحد بالتالي من الضائعات المالية التي سببها التضخم على مر السنوات السابقة.
الفوائد والمزايا
تقول الباحثة الاقتصادية حنان مازن إبراهيم في كلية الإدارة والاقتصاد / جامعة بغداد: إن “إصدار البنك المركزي عملة رقمية يمكن أن يكون له العديد من الفوائد والمزايا، ولكن يجب أن تؤخذ في الاعتبار التحديات المحتملة، كما يتحتم على البنك العمل على توفير بيئة آمنة وموثوقة للعملة الرقمية، وتوفير التدريب والتعليم اللازمين للجمهور والمؤسسات المالية، بوصفها نظام مدفوعات مالياً جديداً يواكب العصر والعولمة”.
تضيف إبراهيم في حديثها لمجلة “الشبكة العراقية”: “تستند هذه الخطوة إلى توفير ثماني مزايا وفوائد مهمة، تتمثل بـتحسين كفاءة التعاملات المالية، إذ إن العملة الرقمية يمكنها اختصار الوقت والكلفة اللازمة لإجراء التعاملات المالية، فضلاً عن زيادة الأمان، حيث يتاح لها أن تقلل من مخاطر الاحتيال والسرقة.” إضافة إلى “توسيع نطاق الشمول المالي، فالعملة الرقمية ستوفر فرصاً جديدة للوصول إلى الخدمات المالية، خاصة في المناطق النائية، علاوة على تحسين الشفافية والمساءلة، بما توفره من معلومات دقيقة وشفافة بشأن التعاملات المالية.” ومن المزايا أيضاً أنها “تدعم التنمية الاقتصادية من خلال تسهيل التعاملات المالية وتحسين كفاءة الأسواق المالية، إلى جانب تقليل الاعتماد على النقد وكلفة طباعة العملات الورقية وتحسين الأمان في التعاملات المالية، سواء كانت بين الشركات أو الأفراد، مثل الدفع الإلكتروني والتحويلات المالية، والميزة الأخيرة تتمثل بتعزيز البنية التحتية المالية وتحسين كفاءة الأسواق المالية”.
قيمة العملة
وبالرغم من أن العملة الرقمية ستحمل نفس قيمة الدينار وأجزائه، إلا أنها تواجه مجموعة من التحديات المحتملة على الصعيد الأمني والتقني والتنظيمي والثقافي، المتمثل بقبول الجمهور التداول بهذه العملة.
يرى الأكاديمي الاقتصادي الدكتور حكيم حمود فليح أن “العملة الرقمية يمكن أن تكون عرضة للتحديات الأمنية، مثل القرصنة الإلكترونية والاحتيال، بينما يمكن أن تكون عرضة للتحديات التقنية، مثل مشكلات الشبكة والبرمجيات، أو التحديات التنظيمية التي تتطلب إصدار القوانين واللوائح والأنظمة والتعليمات المالية. هذا فضلاً عن التحديات الثقافية المتمثلة برفض الجمهور التداول بها لاقتناعه بمقاومة التغيير والاعتماد على النقد (الكاش)، وهو من أخطر التحديات التي تواجه إصدار عملة، كما حصل في العراق بعد العام 2004 من إصدار البنك لمسكوكات معدنية تحمل قيمة 50 ديناراً صعوداً إلى 250 ديناراً، وبالتالي اضطر البنك إلى سحبها واقتصار التداول بالعملات الورقية فقط”.
ويضيف فليح في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية” أن “تهيئة البنية التحتية أمر مطلوب وحتمي، لاسيما الأنظمة المالية المتطورة وأنظمة التشفير العالي و(البلوكتشين) وكل ما يتعلق بأنظمة الحماية من الاختراق، لتوفير قوة ومصداقية للعملة العراقية الرقمية، ودعمها على الصعيد الدولي مستقبلاً في التعاملات الخارجية، التي ستكون بالعملات الرسمية الرقمية للبلدان، ومن ثم لتتم تسويتها بنهاية السنة عبر بنك التسويات الدولي”.
واجهة العراق المالية
من جانبها، علقت الباحثة الاقتصادية سها جمال مولود، بشأن موعد إطلاق العملة الرقمية من قبل البنك المركزي، قائلة: إن “العملة الرقمية الجديدة لا يمكن إعلان إطلاقها أبداً مالم يقم البنك المركزي بكل الإجراءات، وأهمها توفير البنى التحتية والسيرفرات الخاصة بها وتوفير الحماية الأمنية الكاملة لها”.
وبينت في حديثها لمجلة “الشبكة العراقية” أن “إعداد البنية التحتية اللازمة لهذه العملة يتطلب دعماً كبيراً ووقتاً أيضاً، لكون المشروع سيكون واجهة العراق المالية مستقبلاً، وبالتالي يجب ضبط إيقاع الخطوات بالتزامن وعدم التسرع بهذا الشأن.” موضحة أن “الانتقال إلى العملة الرقمية يتطلب بنية تحتية تقنية قوية، تشمل شبكات إنترنت موثوقة ومتطورة، وأنظمة أمن سيبراني متقدمة لحماية البيانات والمعاملات، فضلاً عن تعزيز ثقافة القبول المجتمعي للعملات الرقمية، بدءًا من الجهات الحكومية، عبر استخدامها في عمليات الجباية والمعاملات الرسمية”.
وكان المستشار المالي لرئيس الوزراء قال في تصريح صحفي: إن “البنك المركزي يتجه لإصدار عملة رقمية كبديل تدريجي للعملة الورقية.” مبيناً أن “هذا التوجه يمثل قفزة نوعية في نظام المدفوعات الوطني الرقمي”.
وأضاف أن “تلك الخطوة ستحقق فوائد عديدة، منها تقليل التسرب النقدي، والحد من تداول العملة الورقية خارج النظام المصرفي، فضلاً عن تقليل طباعة النقود بشكل متكرر، ما يخفض التكاليف المرتبطة بإنتاجها وتوزيعها، إلى جانب تعزيز الشفافية والسيطرة على التدفقات المالية وإمكانية تتبع السيولة الرقمية واتجاهات الإنفاق، سواء كان استهلاكياً، أو ادخارياً، أو استثمارياً، علاوة على تحسين الرقابة على رأس المال والتحويلات الخارجية، ودعم جهود مكافحة غسل الأموال”.
وأشار إلى أن “العملات الرقمية تسهم في تعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، كوحدة حساب ومدفوعات وادخار، مع إمكانية استخدامها عبر الإنترنت والهواتف الذكية، ما سيسهم في تطوير بيئة مالية أكثر استقراراً وكفاءة”.