القطاع الخاص بحاجة إلى المزيد من الدعم الحكومي

566

ملاذ الأمين

يعد القطاع الخاص في الدول الرأسمالية المتقدمة الركن الأساسي في الاقتصاد، لأنه يمتلك شركات الإنتاج التي تدر الأرباح وتسهم في تشغيل قطاع كبير من العمال بشكل مباشر وتمنحهم الرواتب الشهرية أو الأسبوعية، كما أنه يسهم في تشغيل قطاع تجاري كبير للبيع والتبادل والتجزئة.
وعمدت تلك الدول إلى سن قوانين تنظم وتدعم القطاع الخاص وتحافظ على حقوق العاملين فيه وتضمن تطوره وتوسعه مع تشجيع رؤوس الأموال الأخرى باستثمارها في مشاريع إنتاجية جديدة.
وفي العراق لم تنجح الحكومات المتعاقبة في سن قوانين تدعم القطاع الخاص وتحفزه على الإنتاج، إذ يشعر العاملون فيه بعدم الاطمئنان في استمرارهم بالعمل والحصول على أجورهم، لذا فإن التقدم في هذا القطاع كان على مستوى المشاريع الصغيرة: ورش التصليح، أفران المعجنات، المعامل الصغيرة.. وغيرها من المحال الصغيرة التي لا يزيد عدد العاملين فيها على عدد أصابع اليدين، أما المنشآت الإنتاجية الكبيرة، الصناعية والزراعية والتجارية والزراعية، تلك التي تستوعب مئات العمال، فإنها قليلة قياساً إلى نفوس بلد يتجاوز عدد سكانه الـ 40 مليون نسمة.
منع الاستيراد
إن من أوائل أشكال الدعم للقطاعين الزراعي والصناعي الخاص، هو منع استيراد السلع والمنتجات التي تنتج محلياً، وفرض ضرائب على الاستيراد، مع توفير القروض المالية للقطاع الخاص وتخفيض الضرائب على الشركات الخاصة، ولاسيما التي تتمكن من تصدير منتجاتها، لتشجيعها على تحسين نوعية المنتج وتحفيز الشركات الأخرى لتحقيق الأرباح من خلال تطوير وسائل الإنتاج وإضافة خصائص متميزة إلى السلع المنتجة لزيادة الإقبال عليها وتحقيق أرباح جيدة.
وربما نحتاج إلى استيراد بعض السلع بقصد فرض مبدأ التنافس المشروع بين المنتجات المحلية والمستوردة، وفي نفس الوقت لتشجيع القطاع الخاص على تطوير منتجاته لتنافس المستورد منها، كذلك لمنع الاحتكار والتحكم بالأسعار.
مدن صناعية
ويفضل أن تبادر الحكومة إلى إنشاء مدن صناعية في المحافظات وقرب الموانئ والطرق الرابطة بالدول المجاورة، هذه المدن التي ستنشأ قربها مجمعات سكنية للعاملين، وستكون محطات كبيرة للتقدم الاقتصادي، إذ سيجري السماح للمستثمرين بإنشاء المعامل التي تنتج مختلف السلع بالاعتماد على المواد الأولية المحلية. وبسبب قربها من الموانئ أو الطرق البرية الرابطة فإنها ستكون قريبة من الأسواق المحلية والخارجية ما يجعلها سريعة الاستجابة لمتطلبات السوق.
وينبغي أن تحتوي هذه المدن الصناعية على مصادر الطاقة لتشغيل المعامل إلى جانب مكاتب التسويق ومخازن للمواد الأولية وأخرى واسعة للسلع المنتجة تتوفر فيها سبل الحماية من الكوارث كالحريق والفيضان والرياح، ما يحفز أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في هذا القطاع الذي توفر الحكومة له الحماية والدعم.
مدن زراعية
ولوجود أكثر من 15 مليون دونم من الأراضي الزراعية في البلاد، فإن العراق بإمكانه استثمار القطاع الزراعي بشكل كبير من خلال تحفيز العاملين في هذا القطاع – الفلاحين والمزارعين- على الزراعة الحديثة والإنتاج الواسع واستخدام البيوت البلاستيكية والبذور المهجنة والري بالتنقيط.. وغيرها، لتحقيق وفرة في إنتاج المحاصيل الزراعية كالحبوب والخضراوات والفواكه، ولتحقيق ذلك يجب أن تدرس الحكومة إمكانية تأسيس مدن زراعية حديثة على مساحات واسعة من الأراضي يخصص لها مهندسون زراعيون وخبراء مع أجهزة حديثة، ويمكن أن يديرها القطاع الخاص، أو تدار بالشراكة بين وزارة الزراعة والقطاع الخاص، هذه المدن الزراعية ستنتج مختلف المحاصيل وستسهم في دعم الأمن الغذائي الوطني وتحقيق طفرات نوعية في أنماط الإنتاج بما ينافس المنتجات الأجنبية، بالنظر لكون أرض العراق خصبة وأجوائه مناسبة للزراعة مع وفرة المياه.
مصارف خاصة
القطاع الخاص يمكن أن يؤسس منشآت مالية ناجحة كالمصارف الخاصة، وهذا الأمر ليس حديثاً علينا، إذ شهد العراق قديما إدارة الأموال من قبل دور مالية أو بقيادة شخصيات نافذة، إذ كانت تمنح القروض للمزارعين والتجار وأصحاب الأملاك، ومع تطور الفعاليات الاقتصادية وتوسع التجارة وتوسع دائرة تدوير الأموال أصبح من الضروري إنشاء مصارف عالمية خاصة تمنح القروض مقابل ضمانات معينة ولها فروع في الدول والمدن الصناعية والتجارية الكبيرة، إذ أن الحرص على الانتقال الآمن للأموال من بلد إلى آخر عبر المحيطات والصحارى أصبح سهلاً وبكلفة أقل بما يحقق لأصحاب رؤوس الأموال، وبضمنهم أصحاب المصارف الخاصة أرباحاً مجزية.
لقد لعبت المصارف الخاصة في العراق دوراً كبيراً في سرعة دوران الأموال داخلياً ودولياً، وحققت لزبائنها وللمساهمين أرباحاً جيدة، ورغم قصر عمر هذه التجربة في العراق الحديث إلا أنها أثبتت نجاحها ونالت ثقة أصحاب رؤوس الأموال.
تشغيل العاطلين
ينبغي على الحكومة العراقية أن تقلل من الاعتماد على الأموال المتأتية من تصدير النفط في رفد موازنتها، لأن سوق النفط ربما تمر بأزمات كبيرة، وقد يتجه العالم الصناعي إلى وقود أقل كلفة وأقل أضراراً على البيئة من النفط خلال العقدين المقبلين، ما يتطلب من الحكومات العراقية المقبلة التوجه نحو القطاعات الإنتاجية غير النفطية كالزراعة والصناعة والنقل والسياحة والتجارة عبر تشجيع إنشاء شركات خاصة في هذه القطاعات ودعمها، ما يسهم في تشغيل أعداد كبيرة من الخريجين والعاطلين مع تحقيق الأرباح التي تسهم في رفد الموازنة العامة للبلاد.
ومن المفيد أن نذكر بوجوب تفعيل قطاع السياحة في العراق، كون البلاد تمتلك مقومات سياحية كبرى كالآثار والأهوار والجبال، ما يتطلب إنشاء شركات سياحية لجذب أفواج السائحين الأجانب وضمان إقامتهم في فنادق مريحة لقضاء أجواء ممتعة والتعرف على آثار حضارة وادي الرافدين.
وهذا الامر المهم يمكن أن تسهم فيه الشركات السياحية الخاصة بالاتفاق مع شركات سياحية عالمية لتبادل أفواج السياح ولتحقيق الأرباح مع تشغيل عشرات من الموظفين كأدلاء ومرشدين مع زيادة أعداد الوافدين إلى الفنادق والمرافق السياحية في البلاد.