المصارف الإسلامية.. غياب غير مبرر وإسهامات ضعيفة

295

مصطفى الهاشمي /

لعبت الصيرفة الإسلامية في العالم دوراً في تقديم التمويل الإسلامي الاستثماري وتقديم منتجات إسلامية تسهم في إعادة الثقة الى الزبائن للتعامل مع القطاع المصرفي وتحقيق أرباح ومردودات وتسهيلات مالية جيدة للجمهور وللمصرف، لكن اللافت في الأمر هو أن تلك المصارف لم تحقق فائدة ملموسة للاقتصاد أو المواطن العراقي.
يتكون قطاع المصارف الإسلامية في العراق – حسب بيانات البنك المركزي- من مصرف إسلامي حكومي واحد (النهرين) و10 مصارف عاملة حقيقية و 18 مصرفاً إسلامياً من اندماج شركات صيرفة وتحويل مالي.
تسهيلات
يقول الأكاديمي الاقتصادي في كلية الإدارة والاقتصاد / الجامعة المستنصرية، الدكتور أحمد الحسيني: “كان الهدف الأساسي من إنشاء المصارف الإسلامية في العراق، تسهيل إجراء وتنفيذ المعاملات المصرفية طبقاً لمفاهيم الشريعة الإسلامية، وهذا له ارتباط مباشر بالحملة الإيمانية التي كان يروج لها النظام السابق.”وأوضح الحسيني: “لأن الشعب العراقي يغلب عليه الطابع الديني، ولاسيما في التعاملات المالية، فقد لاقت فكرة الصيرفة الإسلامية رواجاً لدى أوساط فئات عديدة من الشعب، وفي الحقيقة فإن المواطن العراقي لم يستفد من هذه المصارف كثيراً، إذ أن طبيعة عملها لا تعتمد على الإقراض المباشر، لكن على مبدأ المرابحة.” وبيّن: “أما بخصوص اندماج شركات التحويل المالي لتأسيس مصرف إسلامي، فإن ذلك له غايتان باعتقادي، الأولى هي للإفادة من الغطاء الديني لجذب أكبر عدد ممكن من الزبائن للتعامل مع هذه المصارف، والثانية هي للإفادة من مزاد العملة والحصول على العملة الصعبة والمتاجرة بها، كما هو الحال في المصارف التقليدية الأهلية.” يذكر أن البنك المركزي يسمح بتأسيس مصرف إسلامي برأسمال يبلغ 150 مليار دينار، بينما يسمح للمصارف التجارية (الربوية) بتأسيسها برأسمال يبلغ 250 مليار دينار. وأكد الحسيني أن “النتيجة من ذلك هي عدم تحقق فائدة للاقتصاد الوطني من هذه المصارف، وذلك لضعف إسهاماتها في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعود لضعف مشاركتها في تمويل مشاريع التنمية ومشاريع البنى التحتية، وقلما تجد مصرفاً إسلامياً يعمل وفق أبجديات العمل المصرفي.”في هذا الصدد ترى وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني “وجود نقص في الثقة بالنظام المصرفي، وانخفاض الوعي بصناعة التمويل الإسلامي.” مبينة “كانت نسبة الائتمان / الناتج المحلي الإجمالي في العراق منخفضة عند 15٪ فقط في نهاية 2021 وفقًا للبنك الدولي، ولم يكن لدى نحو 81٪ من السكان البالغين حساب بنكي في العام 2021، مقابل 60٪ في العالم العربي.” وذكرت الوكالة في تقريرها أن “نحو 24٪ من السكان غير المتعاملين مع البنوك تقف الأسباب الدينية كحاجز، من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم.” وتابع التقرير “يعمل البنك المركزي العراقي على إصلاح النظام المصرفي الإسلامي من خلال إدخال لوائح وتعليمات جديدة للبنوك الإسلامية منذ العام 2015، ويعد قطاع الصيرفة الإسلامية في العراق صغيراً،إذ تبلغ حصته السوقية 8.1٪ من إجمالي أصول النظام المصرفي في نهاية عام 2021، وحصة سوقية تبلغ 3.7٪ من إجمالي ودائع النظام المصرفي.”
وأضاف: “بلغ إجمالي أصول البنوك الإسلامية 12.9 تريليون دينار عراقي (8.8 مليار دولار) في نهاية عام 2021، وهو ما يمثل نمواً كبيراً بنسبة 18.2٪ على أساس سنوي، فقد تجاوز نمو أصول البنوك التقليدية في عام 2021 بنسبة 15.1٪ على أساس سنوي، وقد بلغ إجمالي أصول النظام المصرفي 159.4 تريليون دينار (109.2 مليار دولار) في نهاية عام 2021.”
ومثَّل رأسمال المصارف الإسلامية 42.2٪ من إجمالي رأس مال القطاع المصرفي العراقي في نهاية عام 2021، على الرغم من أن حصة الأصول في السوق أصغر بكثير من حصة البنوك التقليدية. واكد التقرير “ظلت حصة العراق من أصول الصيرفة الإسلامية العالمية صغيرة عند 0.4٪ في نهاية الربع الثالث من العام 2020 وكانت أقل من الأردن وسلطنة عمان، وفقًا لمجلس الخدمات المالية الإسلامية.” وأوضح التقرير “تشمل القضايا الرئيسة في الصناعة المصرفية بيئة تشغيلية صعبة، وعدم الاستقرار السياسي، وفرص الإقراض المحدودة، والافتقار إلى اللوائح الشاملة التي تحكم الصناعة، وضعف إنفاذ اللوائح المالية، وقضايا إعداد التقارير والشفافية (المساهمة في عدم الثقة في النظام المصرفي)، وغسل الأموال، ورأس المال البشري غير الماهر.”
وبيّن التقرير “تشمل التحديات الخاصة بالخدمات المصرفية الإسلامية ضعف الوعي بالمنتجات الإسلامية، والافتقار إلى التقييس، ونطاق المنتجات المحدود، والافتقار إلى أدوات إدارة السيولة الإسلامية.” لافتاً الى أن “بعض البنوك العراقية تعمل إلى حد كبير كوظائف خزينة، إذ تنشر السيولة الزائدة في مواضع البنك المركزي العراقي مع عدم وجود نماذج أعمال مصرفية حقيقية.” وذكر التقرير أن “أسواق رأس المال العراقية، بما في ذلك سوق الصكوك، تعاني التراجع مع عدم قدرة المُصدرين بشكل عام على الوصول إلى أسواق رأس المال المحلية أو الدولية.”إضافة إلى ذلك، كان سوق التكافل شبه غائب في العراق قبل عام 2019، ومع ذلك أصدر البنك المركزي العراقي في العام 2019 لائحة تكافل وأنشأ أول شركة تأمين تكافلي، ما سمح للبنوك الإسلامية بتقديم منتجات التكافل. اعتمد البنك المركزي العراقي معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI) وانضم إلى مجلس الخدمات المالية الإسلامية.
قانون المصارف
من جهته.. قال مستشار رابطة المصارف الخاصة العراقية سمير النصيري: “منذ العام 2016، وتنفيذاً لقانون المصارف الإسلامية رقم 43 لسنة 2015، توسع البنك المركزي في منح إجازة شركات التحويل المالي الرخصة، للراغبة منها التي تمتلك متطلبات التحول الى مصارف إسلامية، إذ أصبح عددها الآن 25 مصرفاً عاملاً في بغداد وفروعها في المحافظات، بهدف التوسع في تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية وفقاً للشريعة الإسلامية أسوة بالدول العربية والإقليمية والإسلامية تلبية لرغبة الجمهور الواسعة بالتعامل مع هذا النشاط المصرفي.” واستطرد: “في الوقت نفسه يحاول البنك المركزي السيطرة إشرافياً ورقابياً على شركات التحويل المالي وتسيير عملها وفقاً للضوابط والتعليمات واللوائح المصرفية المحلية والمعايير الدولية المصرفية الإسلامية.”
بيانات
تشير البيانات المالية الرسمية الى تطورات كبيرة في النشاط التمويلي والاستثماري الإسلامي في جميع المحافظات، ولاسيما في المناطق التي تهتم بالجوانب الشرعية للتعامل المصرفي، ما وسع دائرة المستفيدين من هذه الصناعة المصرفية، والخيارات المتاحة أمام عملاء الصيرفة الإسلامية، وأدى إلى تسارع عملية تطوير منتجات وخدمات هذه الصناعة.
ويرى (النصيري) أن ذلك “جعل البنك المركزي يصدر ضوابط لفتح نوافذ إسلامية في المصارف التقليدية، وهذا ما حدث بالفعل عندما بدأت المصارف التقليدية بتقديم خدمات الصيرفة الإسلامية في دول عربية وأجنبية سبقتنا في اعتماد ذلك، إذ حصلت طفرة في منتجات الصيرفة الإسلامية في السنوات الأخيرة، إضافة إلى تحسن خدمات وأسعار المصارف الإسلامية نتيجة للمنافسة.”